والصالحين كذلك هم في الجهل بوقت البعث، ورده ابن عرفة: بأنه إنما يصح هذا لو نفى عنهم العلم بوقت البعث فهو أمر استأثر به الله تعالى، كما قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) إنما نفى عنهم الشعور به والأنبياء قد حصل لهم الشعور به وعلموا بأشراط الساعة وأماراتها.
قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ... (٢٢)}
اعلم أنه تارة يراد بها نفي الكمية المتصلة كقولك الجوهر واحد بمعنى أنه لا ينقسم وهي في قولك:(إِلَهٌ وَاحِدٌ) لنفي الأمرين معا والوصف بواحد دال على أن لفظ الإله كلي.
ابن عرفة: فإن قلت: ما حد الإله؟ قلنا: هو المعبود المنقاد إليه وإن شئت هو المستغني بذاته عن العبادة وإن شئت هو المستحق للعبادة وهذا هو الصحيح ويبطل الأول بأن الله سمي إلها في الأزل لكنه مستحق للعبادة والأصنام الآلهة لاستحقاقها عندهم العبادة.
الفاء للسبب وليس هو من باب ذكر اللازم عقيب الملزوم إنما هو من باب ذكر الشيء عقب نقيضه لأن لازم كونها إلها واحدا التصديق لَا الإنكار والكفر وظاهر كلام الزمخشري: أن الوحدانية ثابتة بالفعل لأنه قال قد ثبت بما تقدم إبطال أن تكون الآلهة لغيره فكان من نتيجة الوحدانية ووضوح دليلها استمرارهم على شركهم فظاهر كلام ابن عطية: أنها ثابتة بالسمع؛ لأنه قال لما تقدم وصف الأصنام جاء الخبر الحق بالوحدانية وهذه مخاطبة لجميع النَّاس فعلمه أن الله متحد وحدة تامة لَا يحتاج لمكانها إلى ما انضاف إليها.
ابن عرفة: والصحيح غيره إنها مستفادة منهما معاً، قال: وذلك أن القضية على ثلاثة أقسام عقلية كقولك الواحد نصف الاثنين والجوهر متحيز أو مفتقر إلى العرض وشرعته كقولك الميت يبعثه الله، ومركبة منها كقولك الله سميع بصير، واختلفوا في قوله:(اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) فذهب الفخر [ ... ] إلى صحة إثباته بالسمع، ونقل ابن التلمساني في شرح المعالم اللدنية عن بعضهم أنه لَا يصح إثباته بالسمع، وقال في شرح المعالم الفقهية أن ما يتوقف دلالة المعجزة عليه لَا يصح إثباته بالسمع.