وقال قبل هذا:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وتقدّم أن المعروف أخف من الإحسان فالجمع بين الآيتين بأنه لما وقع الأمر بتسريحهن مقارنا للاحسان إليهن خاف أن يتوهّم أن الأمر بالإحسان إليهن عند تسريحهن للوجوب فعقبه بهذا تنبيها على أنه إحسان بمعروف فهو للندب لا للوجوب. ولفظ التسريح عندهم من الكنايات الظاهرة في الثلاث.
وقوله «لاَ تُمْسِكُوهُنّ» قال أبو حيان: إن كان «ضرارا» حالا تعلقت اللاّم (من «لِّتَعْتَدُواْ» به أو ب «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ»، وإن كان مفعولا من أجله تعلقت اللام) ب «ضرارا» أو كان علة للعلة كقولك: ضربت بني تأديبا لينتفع. ولا يجوز أن يتعلق ب «لاَ تُمْسِكُوهُنَّ» فيكون الفعل قد تغير إلى علة وإلى عاقبة وهما مختلفان.
قال ابن عرفة: ليس امتناعه من جهة الإعراب بل من جهة المعنى لأنه لا يقصد أحد (بإمساك زوجته أنه متعدّ حكم الله كما لا يقصد أحد) بالزنا أنه متعدّ حكم الله، وإنّما يقصد أضدادها فيؤول (أمره) إلى تعدى (حكم الله) والزاني يقصد اتّباع شهوته ويؤول أمره إلى أنه تعدى حدود الله.
قال ابن عرفة: هذا احتراس لأنّ من يأمره بأمر ويؤكده بالنّهي عن ضده ثم يزيد تأكيدا، فإنما يفعل ذلك لتعلق غرضه به وانتفاعه به وتضرره من (عدمه) فبين أنه تعالى لا يلحقه من فعل ذلك نفع ولا يناله من (تركه) ضرر بوجه.
قوله تعالى:{وَلاَ تتخذوا آيَاتِ الله هُزُواً ... }.
ولم يقل: ولا تستهزئوا بآيات اللهِ، مع أن الاستهزاء بها أعم من اتّخاذها هزؤا ونفي الأعم أخص من نفي الأخص لأن اتّخاذ آيات الله هزؤا أخص من مطلق الاستهزاء.
فالجواب أنّ الاستهزاء بها لو وقع لما وقع إلاّ على المعنى الأخص ولذلك أضاف الآية إلى الله تعالى إضافة تشريف. ونظيره قول الله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أجابوا بوجهين: