قلت لابن عرفة في الختمة الأخرى: قاتل مفاعلة لا يكون إلا من الجانبين فما الفائدة في قوله «الذين يُقَاتِلُونَكُمْ» ومعلوم أنّه لا يقاتل إلاّ من قتله؟
فأجاب بوجهين: الأول أنهم لا يقاتلون إلا من بدأهم بالقتال.
الثاني: قول الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين} هذا (النفي) يحتمل أن يكون على الكراهة لأن عدم محبة الشيء لا يقتضي تحريمه لأن المحبّ هذا إما مباح أو مكروه) وإنّما يدل على التحريم الذّم على الفعل وعلى الوجوب الذم على الترك. ويحتمل أن يكون هذا النهي (على) التحريم لأن النحاة قالوا: إذا أردت مدح زيد قلت: حبذا زيد، وإن أردت ذمه قلت: لا حبذا زيد (فسمُّوا) نفي المحبة (ذما).
هذا (احتراز) لأنه لمّا تقدم الأمر بقتال من قاتل أمكن أن يتوهم أنّه لا يقاتل إلاّ من قاتل، فهذا إما نسخ له أو تخصيص.
ابن عطية عن الطبري: الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار قريش. واختار ابن عطية أنّ الخطاب لجميع المؤمنين، أي أَخرِجوهم إذا أخرجوا بعضكم.
قال ابن عرفة: يلزمه استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه.
قيل لابن عرفة: في ظاهر الآية تناف لأن «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» يقتضي الأمر باستِئْصالِهِم وعدم إحياًء أحد (منهم) فلا يبق للاخراج محل.
وقوله:«وَأَخْرِجُوهُم» يقتضي إحياء بعضهم حتى يتناوله الإخراج.
فأجاب بوجهين: الأول منهما: أنّ الاستيلاء عليهم تارة يكون عاما بحيث لا تبقى لهم ممانعة بوجه، فهنا يقتلون وتارة يكون (دون) ذلك بحيث يتولّى المسلمون على وطنهم (ويمتنعون) هم منهم في حصن ونحوه، حتى لا يكون لهم قوة على المسلمين ولا للمسلمين قدرة على قتلهم فهنا يصالحونهم على أن يخرجوا لينجوا بأنفسهم خاصة. انتهى.
الثاني: أنهم يخرجون أولا ثم يقتلون بعد الإخراج والواو لا تفيد رتبة ففي الآية التقديم والتأخير.