يحتمل أن يراد بالأول: طاعتهم له في اجتناب ما نهاهم عنه، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وبالثاني: طاعتهم في فعل يأمرهم به، وقال الفخر في المحصول: إن قال قائل: إن قوله (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، تكرار؟ فالجواب: أن الأول: ماض، والثاني: مستقبل أي لَا يعصونه فيما أمرهم في الماضي، وهو في الحال (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ)، ورده عليه القرافي: بأن (لَا) إنما تنفي المستقبل، فالأول مستقبل، والثاني كذلك، ويجاب: بأن الأول إخبار عن عدم عصيانهم فيما سيؤمرون به في المستقبل، ولم يقع منهم عصيان لما أمروا به، وهم من شأنهم أن لَا يعصون فيما سيأمرهم به.
إن قلت: ما وجه المناسبة بين هاتين الجملتين مع أن [المتبادر*] للفهم أن يقال: لا يظلمون اليوم؟ فالجواب: أن العفو هو ترك المؤاخذة [بالذنب*][ ... ] موجبا، والمعذرة هي إلقاء كلمة تمهيدا لرجاء عدم المؤاخذة بالذنب لعدم [**مزجها]، فالمراد أنا لم [نجركم*] إلا بما كسبتم وجنيتم، وجواب [آخر*]: وهو أن المعذرة تارة تكون لإسقاط المؤاخذة، [وتارة*] تكون لتخفيف العقوبة، فالآية كأنها أتت على قسم ثالث، وهو ليس بتخفيف، حتى [**ما جاز على بعض الذنب ولا الإسقاط؛ بل على العمل فقط]، ويصح أن [يكون*] الوقف على (لَا تعتذروا) ويتعلق (اليوم) بما بعده.
جعله المفسرون (يَوْمَ) متعلقا بـ (يُدْخِلَكُمْ)، والأولى أن يكون العامل فيه (اذكر)[مقدرا*]، فإن قلت: الإضمار على خلاف الأصل؟ قلت: فيه سلامة الآية من التكرار المعنوي، لأن قوله (عَسَى رَبُّكُمْ)، إلى آخره ملزوم لنفي الخزي، وقد [شرع*] به ثانية فيؤول إلى قولنا (عَسَى رَبُّكُمْ)، أن لَا [يخزيكم*] واحتج بها المعتزلة على أن [العاصي*] مخلد في نار جهنم بعد الجمع [بينها*]، وبين قوله تعالى:(رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، حسبما قرره ابن الحاجب، ووجه الدليل أن يقال: كل من دخل النار مخزي بآية آل عمران، ولا شيء من المؤمنين مخزي؛ عملا بهذه الآية فلا شيء ممن يدخل النار بمؤمن، ثم تنعكس [ ... ] فتقول لا شيء من المؤمن بداخل النار، وأجاب الشيرازي وغيره بوجهين:
أحدهما: أن المراد بالذين آمنوا معه الصحابة فقط.
والثاني: أن [(الذين آمنوا معه) *] مستأنف، وليس معطوفا على ما قبله بوجه، ويجاب أيضا بوجه ثالث: وهو أن الخزي مقيد بذلك اليوم، فيكون ذلك اليوم هو وقت دخولهم الجنة، فإنهم غير [مخزيين*] حينئذ، وأما قبل ذلك حين دخولهم النار فهو يوم آخر.