دخول التبشير في معنى التفسير، وقد يكون معطوفا على أمر مقدر يدل عليه المعنى فافعل كذا أو كذا كما قيل (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، قال السكاكي: الأمر معطوف على قل مقدر، [قبل*]: (يَا أَيُّهَا) وحذف القول كثير، وقيل: معطوف على أمر محذوف تقديره [بشر*]، كما قال الزمخشري: في (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) لدلالة [لَأَرْجُمَنَّكَ*] على التهديد.
قوله تعالى: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ... (١٤)}
تقدم في قوله تعالى:(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ)، طلب الإيمان والجهاد بالأنفس والأموال، وهذا هنا آكد؛ لأن ذلك أمر بمطلق الجهاد، والمجاهد قسمان: تارة يجاهد [ليدفع*] العدو عنه، وتارة يجاهد ليطلب النصرة عليه، فهذا يكون قتاله وامتحانه في الحرب أشد من الأول، فأمروا في هذه الآية بالجهاد لطلب النصرة، وعبر بالفعل ليتناول الأمر كل من حصل مطلق الإيمان، و (كونوا) المراد به الدوام ويستفاد ذلك من صيغة الأمر، ومن لفظ كان، فإن الباجي والمنطقيين نصوا على أنها [ ... ] لما ذكروها في الروابط، فجاءت الآية على الوجه الأبلغ لاقتضائها الثبوت والدوام على النصرة، حتى كأنه وصف، وأتى بخلاف قولنا: انصروا فإنه لا يقتضي إلا مطلق إدخال الفعل في الوجود، ولا دلالة على اللزوم والدوام بوجه، وقرئ (أنصارُ الله) بالإضافة، وهو أبلغ من عدم الإضافة؛ لأن نصرة الله أقوى من نصرة غيره، وهذا مجاز واعتناء [بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين*]، فجعلت نصرتهم له كأنها لله، مع أن الله تعالى هو فاعلها أو [ ... ]. عليها، قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، فإن قلت: كيف [شبه*] نصرتهم بقول عيسى؟ قلت: هو تشبيه معنوي على حذف القول، والتقدير: قلنا لكم ذلك كما قال عيسى ابن مريم للحواريين، وأشار إليه أبو حيان، وقرر الزمخشري التشبيه، لأن معناه كونوا أنصار الله؛ كما قال الحواريون:(نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)، حين قال لهم عيسى:(مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)، في التشبيه، ولم يقل: انصروني فبادر الحواريون إلى امتثال ذلك، والمؤمنون طلب منهم النصرة بلفظ الأمر المقتضي للوجوب، فحقهم أن يبادروا إلى [الامتثال*]؛ بل هم أجدر [بالمبادرة*]، وقول الحواريون:(نَحْنُ أنْصَارُ اللَّهِ)، بالإضافة أبلغ من طلب عيسى منهم، ومعناه نحن أنصار الله لك أو مع خلانك، [ولو*] قالوا: نحن أنصارك إلى الله؛ لكان مفهومه أنهم لَا ينصرون غيره إلى الله.