ولما كانت الهجرة إنّما هي للجهاد مع النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ونصرته كانا كالشيء الواحد فلذلك لم يكرر ذكر الموصول مع الجهاد.
قلت لابن عرفة في الختمة الأخرى: إن الآية حجة على المعتزلة في قولهم إن الطائع يجب على الله أن يثيبه لأن الرجاء إنما يتعلق بالمظنون لا بالمحقق، فلو كان الثواب محققا لما قال «يرجون رحمة الله»؟
فقال: لهم أن يجيبوا بأن من هاجر وجاهد لا يعلم أيموت مسلما أو لا؟ فهو لا يتحقق خاتمته (فصح) إسناد الترجي إليه وبطل الدليل.
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر ... }.
قال ابن عرفة: قال ابن عطية، والشيخ الزمخشري: لما نزلت (هاته الآية) شربها قوم وتركها آخرون. قام بعض الشاربين فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أسقط (لا) فنزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى} قال ابن عرفة: هذا نصّ على أنّ لفظ التأثيم في قوله عَزَّ وَجَلَّ ّ: «قُل فِيهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ» غير ملزوم للتحريم لأنّ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم لم ينتهوا عنها بهذه الآية فيستفاد منه الجواب عن السؤال المورود على قول الفقهاء: إنّ اتّخاذ السترة للمصلي سنة، مع قولهم: إن تركها وصلى حيث لا يأمن المرور فمر عليه أحد أثِمَ. (قال: وكنّا أجبنا عنه بأنه إنما أثم بالتعرّض للمرور والمرور معا) لأنه لو لم يمر عليه أحد لما أثم.
قال ابن عرفة: (وحكي) ابن عطية في الإثم وجوها:
الأول: أن يراد في استعمالها بعد النهي إثم كبير.
(ابن عرفة) ما قلناه الا على هذا.
الثاني: ان يراد خلال السّوء الّتي فيها وهي السباب والافتراء وذهاب العقل. وعن سعيد بن جبير: لما نزلت كرهها قوم (للاثم وشربها قوم) للمنافع.
قال ابن عرفة: ويؤخذ (من الآية أنها إذا تعارضت مصلحة ومفسدة واستويا لا ينبغي الفعل لأن الصحابة لما نزلت) الآية لم ينتهوا كلهم عن شرب الخمر.
فقال: (نعم)، بل هو من باب أحرى.
قال: وهذا هو الذي ذكر فيه الأصوليون عن علي بن أبي طالب أنه قال: من شرب الخمر هذى وإذا هذى افترى فأرى عليه حد المُفتري.
قلت: ذكره العلامة بن التلمساني في المسألة الثانية من الباب التاسع. قال: وساعده عمر (وغيره).
قال ابن عرفة: وهذا هو اعتبار جنس العلة في عين الحكم لأن الهذيان مظنة الافتراء باعتبار جنس المظنة في عين حد الخمر فجعله ثمانين بعد ما كان أربعين قياسا على حد القذف.
قلت: وذكر ابن التلمساني هذا في المسألة (الثانية) من الباب التاسع ومثله باعتبار جنس المشقة في اسقاط قضاء الرّكعتين عن المسافر قياسا على اسقاط القضاء على الحائض.
قال ابن عرفة: وجعله الأصوليون من القياس في الأسباب وقياس الكفارات من القياس في المقادير الذي لهم فيه قولان.
قال: وهذا اجتهاد من الصحابة لفهمهم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (أنّ حده لشاربه) أربعين اجتهاد لا نصّ، وكذا ما ورد أنه ضربه (بالجريد) فخافوا اختلاف المجتهدين وأجمعوا على هذا الحد فكان قطعا للنزاع.
ابن عطية: عن بعضهم حرمت الخمرة بهذه الآية لقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغي بِغَيْرِ الحق} واقتضت هذه الآية أنّ