يغفر لمن يستحق العذاب على الحقيقة فصار الوصفان المذكوران يدلان على معنى لم يدل عليه الغفور الرحيم، فكأنه يقول: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم بأحد وجهين:
إما بأن جواب الشرط الثاني محذوف له المعنى أي فإنك إن تغفر لهم فأنت الغفور الرحيم، وإن قلنا: بأن الشرطين في معنى شرط واحد مركب من جزأين وجوابهما بينهما مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى، أي إن تغفر لهم أو تغفر لهم فهم عبادك، وأوردوا عليه أن الشرط لَا يحذف جوابه إلا إذا كان فعل الشرط ماضيا [وأما في*] المستقبل، فلا؛ لأنه يؤدي إلى منهيات العامل للعمل وقطعه عنه فيبطل الجواب الأول ويبقى الثاني.
قال ابن عرفة: هنا مقامان: مقام التوحيد، ومقام التكليف لعيسى عليه الصلاة والسلام غلب مقام التوحيد واعتبره والأمور كلها فيه منسوبة، فلا فرق بين التعذيب ولا بين المغفرة؛ لأن الكل عبيده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا حسن ولا قبح باعتبار مقام التكليف من صدق في عمله وطاعته انتفع ومن خالفه عذب.
ابن عرفة: وهو المراد بصدق الأعم أو الأخص الذي ذكره ابن التلمساني لما عرف الخبر بأنه الذي يحتمل الصدق والكذب، قال: فإن قلت: المراد هنا الأخص؛ لأن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ولا ينعكس.
قال أبو حيان: وقرر صدقهم بالنصب وهو مفعول من أجله.
ابن عرفة: شرط المفعول من أجله أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل يستقيم على مذهب أهل السنة؛ لأن الأفعال كلها لله ويشكل على مذهب المعتزلة كالزمخشري وغيره، ولا يصح أن يراد الصدق في الآخرة إذ ليست بدار تكليف ولا في الدنيا؛ لأن المراد صدقهم في الآخرة فيما يجب به في قوله (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ).
وأجاب ابن عرفة بأن المراد استمرار الصدق، ونحو قول المنطقيين إن النتيجة ليست عين الكبرى ولا عين الصغرى وحدها ثم أجابوا عنها بأنها عينها، ورده ابن عرفة بأن الاستمرار في الآخرة وليست دار تكليف، وأجاب بأن المراد الاستمرار باعتبار تقدم سببه في الدنيا.