إنما تم تقدير ذلك مع ظهور الدلائل العقلية على وجوب الإعادة، قيل لابن عرفة: يلزمك أن يكون ابتداء الخلق واجبا عقلا، ولم يقل به أحد، فقال: قد تقرر أن الثاني من الشرطيات لازم للأول، ولا يلزم من وقوعه وقوع الأول.
قال ابن عرفة: إلا أن يجاب بالإعادة راجعة للأعراض على القول، بأن العرض لا يبقى زمانين إلا أن يقال: إنه لَا يعاد بعينه بل [يُعدم*] ويخلق مثله إلا على قول من يجيز [إعادة*] المعدوم بعينه، والخلق المراد به المخلوق.
قوله تعالى:(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ).
قال الزمخشري: برهانكم على نفي الإعادة، فإن قلت: لنا في الشيء لَا يطلب بإقامة الدليل على نفيه، قلت: النفي على قسمين:
نفي لما يثبت، فهذا لَا يطلب صاحبه بدليل.
ونفي لما قام الدليل على ثبوته، فهذا يطلب صاحبه بالدليل.
قالوا: سبب نزولها أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن وقت القيامة التي وعدهم بها.
قال ابن عرفة: الألف واللام في الغيب للعهد، أي الغيب المسئول عنه، أو هو عام المراد به الخصوص، فهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم المغيبات، ولا يخفى عليه منها شيء فأخبر الله تعالى أنه لَا يعلم إلا ما علمه الله، وإن هذا من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحد فيكون فيه حجة لأحد القولين، بأن الكرامة لَا تتعلق بعلم ذلك، ولا يطلع عليه ولي، ويحتمل أن يقال الغيب على نوعين: غيب ينصب عليه دليل وإمارة، وغيب لم ينصب عليه دليل، فالأول: كمن يمشي في طريق لَا يخبرها فيعلم مواضع الماء وقربه من بعد النبات. والثاني: كدفين في الأرض لَا يخبرها إلا الشق، فإنه لَا دليل له على موضعه، وهذا من الغيب الذي ينصب عليه دليل، وذكر ابن عرفة إعراب الزمخشري واستشكاله الآية، والسؤال الذي أورده وقرره، فإنه من المذهب الذي يؤتى فيه بالحكم مقرونا بدليل، قال: وحاصله أن المراد نفي علم ذلك عمن سوى الله، ولا يحتاج إلى إثبات العلم به لله تعالى، فإنهم لم يخالفوا به، قال: ويحتمل أن يكون من في السماوات والأرض مفعولا للعلم والغيب، إما حال منه بناء على القول بصحة إثبات الحال معرفة، وأما بدل منه بدل اشتمال؛ لأن الغيب مشتمل على من في السماوات والأرض