ذكر هنا الخوف منه، وقال في موسى:(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) فلم يذكر صفة الخوف فيه؛ لأن قائلا لَا تخف هنا الملائكة، وهناك الله تعالى فناسب عدم ذكر المخوف منه وعدم الامتثال به.
قوله تعالى:(بِغُلَامٍ عَلِيمٍ).
دليل على شرف العلم، ونقل ابن العربي في سراج المريدين، عن ابن فورك: أنه رأى الملائكة، ونقل أبو نعيم في الحلية، عن سفيان الثوري، أن الملك خاطبه في حكاية الحية، قال كاتبه، وخبر ابن عم والدي وهو الشيخ الصالح العابد الزاهد أبو فارس عبد العزيز البسيلي: أنه [كان*] حين يقوم إلى صلاته بالليل يرى أن الملائكة تدخل عليه بيته وتسلم عليه في صفة طيور ذوي أجنحة.
قلت: ولما توفي رحمه الله صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان عام أربعة وثمانين وسبع مائة رأيت كأني بين السماء والأرض وإذا برقعة هابطة من السماء، فيها مكتوب بخط بين: عبد العزيز البسيلي من أهل الجنة ودفن رحمه الله بمقبرة خالد أبو إسحاق إبراهيم البسيلي.
قال لي شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني: لم أر أحدا في زماننا على طريق السلف الصالح غيره.
قوله تعالى: {فَمَا خَطْبُكُمْ ... (٣١)}
قدم المقول للمخاطب على ندائه؛ لأنه المقصود بالذات، ولما فهم من القرائن أنهم نزلوا للعذاب عبر بالخطب، وقال:(أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) فعبر بالوصف الأعم فيهم وفي بني آدم، ولم يقل: أيها الملائكة فعبر بالوصف الأخص؛ لأن وصف الرسالة عند الله تعالى فيه تشريف وتعظيم، ولأن فيه إيماء إلى المرسل إليهم.
قوله تعالى: {إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢)}
تنكير (قَوْمٍ) إما تعظيما لوصف الإجرام، أو ليفيد عموم تعلق العذاب بكل من اتصف بصفاتهم، لأن تعليق الحكم على الوصف المناسب في النكرة يفيد قوة الشعور بما به ذلك الوصف للحكم أكثر من إفادته له في المعرفة.