للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لفظ افعل أحق في التكليف من صيغه لَا تفعل، والظنون منها الجائز والمحرم والواجب والمندوب والمحرم بعضها ... ، فلذلك قرنه بأخف العبارات.

ابن عطية: قال سلمان الفارسي: إني لأعد [عُراق*] قدري مخافة الظن، انتهى، أراد أنه يختم على [**البومة مخافة أن يظن بمن تكلف بها ظن السوء وهو أولى من عدة اللحم]، فإنه قد يظن أنه قطع له من كل لحمة طرفا.

قال: وقال ابن مسعود: الأمانة خير من الخاتم، والخاتم خير من سوء الظن، انتهى، أراد أن وضع الشيء عند الأمين غير مطبوع عليه أطيب لنفسه ما لو ختم عليه، ووصفه عنده أمانة.

الزمخشري: فإن قلت: ما الفرق بين كثير حين جاء نكرة وبينه لو جاء معرفة؟ قلت: مجيئه نكرة يفيد معنى البعضية وإن في الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تعيين لئلا [يجترئ*] أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل، وتمييز بين حقه وباطله بإمارة بينه مع استشعار [للتقوى*]، ولو عرف لكان الأمر باجتناب الظن [منوطا*] بما يكثر منه دون ما يقل، ووجب أن يكون كل ظن متصف بالكثرة مجتنبا، [وما اتصف منه بالقلة*] مرخصا فيه، انتهى. تقديره أن الكثير المعرف بالألف واللام كل يقتضي اجتناب كثير الجمع بغير الجمعية، وقوله: كثير الظن يفيد تعلق الكلية بالكثير، فيقتضي اجتناب الكثير مع تتبع الأفراد، كما تقول لرجل: أكرم الكثير من الضيوف، فلا يلزمه إلا إكرام الجماعة الكثيرين المجتمعين لأن الألف واللام [لتكثير الجنس*]، ولو قلت له: أكرم كثيرا من الضيف فأتاه ضيف واحد أو ضيفان [لزمه*] إكرامهما، ثم كذلك لَا يزال مطلوبا بإكرام ما زاد عليهما إلى أن يبلغ حد الكثرة، بخلاف الأول فإنه لَا يلزمه إكرام الضيف الواحد ولا الاثنين، قيل: يؤخذ من الآية أنه إذا اختلط شاة محرمة بشاة محللة أنه يحرم الجميع، ووجه الاستدلال أنه حرم الكثير [لأجل*] تحريم القليل، فالاجتناب معلل، بقوله تعالى: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، أجيب: بأن الآية لم تتضمن اجتناب على الظن لكون بعضه إثما، وإنما تتضمت اجتناب بعضه، وتعلق النهي بالبعض المجتنب لكونه إثما، فالمراد بقوله تعالى: (بَعْضَ الظَّنِ) ذلك البعض المجتنب، فالمعنى إن كثيرا من الظن إثم فهو تعليل للكثير المجتنب لَا للظنون التي بعضها مجتنب وبعضها غير مجتنب، والظن الذي في مصلحة واجبة أو مندوبة غير مراد في الآية وإنما تناولت الآية ظنونا متماثلة في عدم المصلحة الأخروية، وزاد أحدهما بكونه إثما، فالكثير بعض ذلك ظن الذنب لَا مصلحة فيه وهو المعلل بكونه إثما وهو المأمور باجتنابه وما عداه جائز لَا إثم فيه، وفي آخر جامع التنبيه حدثني أشهب، عن نافع بن عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>