للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ).

إن قلت: هذا الحصر تخرج عنه الأم من الرضاعة، وزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنهن أمهات المؤمنين شرعا، لأنكم قلتم: المراد بالأمهات في الآية حكما لَا نسبا، فالجواب: أن تقول أن هذا الحصر عام مخصوص بما ذكروا أكثر عمومات القرآن مخصوصة، أو تقول إنه عام خرج على سبب، فيقصر عليه؛ لكن المشهور أن العلم الدال على سبب لَا يجب قصره عليه، وأجيب أيضا: بأن يكون هذا قبل نزول آية الرضاع، وقيل: نزول قوله (وَأزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، ورد بأن آية الرضاع مكية، وأيضا فهذا خبر، والخبر لَا ينسخ، وأجيب: بأنه خبر تضمن حكما شرعيا فيصح نسخه، ورد بأنه لَا ينسخ الخبر مطلقا، فإن قلت: الظاهر شبه الزوجة بالأم، ولم يجعلها أمًّا حقيقة، فهلا قيل: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)، قلت: التشبيه في اللفظ، والمقصود في المعنى؛ لتسوية الزوجة بالأم في التحريم وتنزيلها منزلتها، فأتت الآية ردا على اعتقادهم.

قوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا).

الزمخشري: (وَزُورًا)، أي كذبا باطلا منحرفا عن الحق، الفخر: الظاهر شبه زوجته بأمه، ولم يجعلها هي، فكيف قيل: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)، وكذب في قوله، ثم أجاب: بأن لفظة إن كان خبرا فالكذب في تشبيه المتحللة بالمحرمة في الخطيئة والحرمة، وإن كان إنشاء، فمعناه أن الشرع جعل الظهار سببا في حصول الحرمة، فلما لم يرد الشرع بهذا التشبيه، كان جعله إنشاء في وقوع هذا الحكم كذبا، انتهى، الظهار إنشاء لأنه لَا يثبت معناه إلا به، والتكذيب من عارض الخبر، لَا من عوارض الإنشاء، فحينئذٍ تقول: الظهار إنشاء ولا شيء من الإنشاء بكذب، فلا شيء من الكذب بظهار، ثم يضم له مقدمة أخرى، فتقول: الظهار زور بمقتضى هذه الآية، ولا شيء من الزور بظهار بمقتضى المقدمة الأولى، فينتج لَا شيء من الظهار، والجواب: بأن الظهار له اعتباران فهو باعتبار التشبيه، خبر يعرض له التصديق، والتكذيب باعتبار التزام مقتضى التشبيه هو إنشاء لَا يقبل تصديقا ولا تكذيبا، يرد بأنه يلزم عليه الجمع بين الضدين، فإما أن يجعله إنشاء مجردا أو خبرا، والجواب: بأن الظهار كان في الجاهلية قبل نزول هذه الآية موجبا للتحريم، فتركت الآية ردا على اعتقاد ذلك، وإن وضع الظهار أو التحريم ليس بحكم شرعي، فلا يلزمه الشرع فيه ما التزمه من التحريم، وإذا لم يلزمه ذلك فيه خرج عما وصفه له، فبطل فيه حكم الإنشاء فيصح تعلق التكذيب به، وإما تعهد نزولها فالظهار لازم لمن التزمه فهو إنشاء لَا خبر يرد بأنه يلزم ذلك في هذه القصة

<<  <  ج: ص:  >  >>