قال ابن عرفة: خشي أن يترك الآية على ظاهرها لأن ظاهرها وجوب الصوم على حاضر الشهر مع أنه ينقسم إلى حضري وإلى مسافر (فتأولها) على أن المراد حاضر المصر في الشهر والّذي فر منه وقع فيه، لأن حاضر المصر في الشهر ينقسم (أيضا) إلى صحيح وإلى مريض، وظاهر الآية وجوب الصوم على الجميع فإن قال: خرج ذلك بالنّص عليه في الآية الثانية. قلنا: وكذلك المسافر خرج بالنّص عليه. وقيل: من شهد هلال الشهر.
قال ابن عطية: وقال علي بن أبي طالب وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله فليكمل صيامه سافر بعد ذلك أو أقام، وإنّما يفطر في السّفر من دخل عليه رمضان وهو مسافر.
قال ابن عرفة: انظر هذا مع قول ابن بشير: «لا خلاف بين لأمة أن السفر من مقتضيات الفطر على الجملة».
قلت: وكان سيدنا الشيخ أبو العباس أحمد بن ادريس رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقول: هذه الآية تدل على أن المسافر غير مأمور بالصّوم لأن «شهد» بمعنى حضر والمسافر ليس بحاضر وقالوا إذا صامه فإنه يجزيه ويكون أداء، وقالوا في العبد: إنّ الحج ساقط عنه فإن حج
ثم عتق لم يجزه عن حجة الفريضة، فحينئذ نقول: فعل العبادة قبل وجوبها إن كانت عندكم نفلا سدّ مسدّ الفرض.
قال: والجواب عن ذلك أن المسافر مأمور بالقضاء لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وذلك دليل على أن اباحة الفطر له (إنما هو رخصة) لا لكون السفر مانعا من الصوم بخلاف العبد فإنه إن عتق فلا يزال مطلوبا بالحج وإذا فعله بعد العتق كان أداء لأنّه أوقعه في وقته وهذا إن أدركه الصوم في السفر ثم حضر وفعله كان قضاء.
قلت: هذا لا يلزم إلا إذا جعلنا الشّهر من قوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ظرف زمان لأنه على تقدير «في» والمسافر لم يحضر في الشهر، ويحتمل أن يكون «الشهر» مفعولا به فلا يلزم هذا السؤال لأن المسافر حضره وفرق بين قوله حضره وحضر فيه.
وذكرته لشيخنا ابن ادريس فوافقني عليه.
قوله تعالى:{يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر}.