قال ابن عرفة: لما قتل مرجوحية القتل في سبيل الله بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) عقبة ببيان راجية على الموت من غير قتل.
قوله تعالى:(أَوْ مُتُّمْ).
إما أنه فيه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، أي (أَوْ مُتُّمْ) في سبيل الله، أو هو كما قال ابن بشير في كتاب الطهارة في التيمم: إن الأصوليين اختلفوا في العطف هل يقتضي التشريك في المعنى كما تقتضيه في الإعراب أم لَا؟ وتقدم بيانه في هذه السورة في قوله تعالى:(وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) وأشارا إليه ابن التلمساني: في المسألة الرابعة من الباب الثالث في العطف على العام، هل يفيد العموم، أم لَا؟ قال ابن عرفة: والقراءة على ثلاثة أنواع، فواحد يموت قبل حضور القتال، فهذا قال في المدونة لَا يسهم له، فلو لم يذكر في الآية لما توهم أنه لا يلحق برتبة الشهداء؛ لأن الأول لَا يسهم له في الغنيمة، والثاني: يغسل ويصلى عليه بخلاف الميت في معركة القتال، فذلك قال تعالى:(أَوْ مُتمْ) ليتناول هذين النوعين.
قال مغفرة نكرة، والتنكير للتعظيم، ولاسيما مع قوله تعالى:(مِنَ اللَّهِ) حسبما نبه الزمخشري عليه في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) فإن قلت: ما فائدة قوله تعالى: (وَرَحْمَةٌ) بعد ذكر المغفرة؟ إن الرحمة سبب في المغفرة فهلا قدمت عليها، أو لم تذكر من أصل، قلنا: المغفرة هي نعمة، وهي رفع الأمور المؤلمة، فالرحمة تعم الجلب والدفع، فالرحمة بالثواب ومحو السيئات، والمغفرة تقتضي محو السيئات فقط، فكان العطف تأسيسا.
قوله تعالى:(خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
قرئ بياء الخطاب وبياء الغيبة.
ابن عرفة: فعلى قراءة الغيبة يكون خير فعلا، ولا مشاركة فيها، وعلى قراءة الخطاب يكون للمؤمنين فهي أفعل من؛ لأن موتهم في القتال أخير وأحسن من جمعهم فيه أنفقاه في السبيل في التصدق بها؛ لأنها أحسن من جميع المال لإنفاقه في شهوات الدنيا ولذاتها، فإن قلت: كلف بها من مات، قلنا: هي حكاية حال ماضية، أي خير من جمعهم المال عاشوا وجمعوه، ثم لما كان الموت بغير القتل أكثر منه بالقتل، وكان الخير يعم الجميع بالأعم، ليرتب عليه الوصف العام.