يعلل بها الأمر المعنوي، فالمادية يخاطب بها العوام، والعادية يخاطب بها الخواص وهذه هنا علة عادية، وهي أن يكون عدلهم لله؛ لأنها راجعة للنية، والنية أمر اعتقادي معنوي، فإن كانت هذه الآية نزلت بعد آية النساء فظاهر، وتقول: هي حينئذ خطاب للخواص، وإن كانت نزلت قبلها فيحتمل أن يكون الحاضرون حينئذ علماء فنزلت خطابا لهم، وأما تلك فهي خطاب للعوام بأن يكون حكمهم بالقسط فيبدأ فيها بالعلة المادية.
قوله تعالى:(هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
ابن عرفة: أقرب هنا بمعنى قريب بأنه لَا مشاركة بين العدل والجور في القرب للتقوى بوجهه ويؤخذ من الآية إذا تعارضت صفتان فترجح التي هي أعدل.
وقال مثله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين.
قال ابن عرفة: وتقدم لنا أنهما بمعنيين، فالأولى راجعة إلى علمه بالأمر الحالي، وهذه راجعة إلى علمه بالأمر الماضي؛ لأن خبيرا مشتق من الخبر، والخبر في الغالب إنما يكون عن الماضي لَا عن المستقبل بدليل إذا نظرنا ما سمع أحدنا من الأخبار فنجد أكثرنا يسمع منها المخبر عن ما مضى وخبر المستقبل يدل بالنسبة إلى الماضي، قيل له: ويتناول هذا المستقبل، لقوله (تَعْمَلُونَ) فقال: المستقبل إذا قدرنا وقوعه بما مضى منه وانقطع خبره وما بقي دائما حاليا فهو عام، قال ابن عرفة: وهذه الآية أبلغ من جهة أن مادة الخبر تقتضي الماضي، وقوله (بِمَا تَعْمَلُونَ) فمستقبل، فهو يتناول الماضي والمستقبل.
وقوله تعالى:(عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
إنما يتناول الحال فقط لكنه أبلغ من جهة تعلقه بالمعنى وهو ما في الصدور، وخبير بما تعملون إنما يتعلق بالأعمال المحسوسة الظاهرة، قيل لابن عرفة: قد قال الفخر: أن النية عمل واستثناء، من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "إنما الأعمال بالنيات".