للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ لم يكن فينا إلا منّا، فما كان إلّا بأسرع من ارتداد الطّرف حتى عنّ لنا سواد، تخفضه وهاد، وترفعه نجاد، وعلمنا أنه يهم بنا، فأتلعنا «١» له، حتى انتهى إلينا «٢» سيره، ولقينا بتحية الإسلام، ورددنا عليه مقتضى السلام؛ ثم أجال فينا طرفه وقال: يا قوم؛ ما منكم إلّا من يلحظنى شزرا، ويوسعنى زجرا «٣» ، ولا ينبئكم عنى، بأصدق منى؛ أنا رجل من أهل الإسكندرية، من الثغور الأموية، قد وطّأ لى الفضل كنفه، ورحبت بى عبس، ونمانى بيت، ثم جعجع بى الدهر عن ثمّه ورمّه «٤» ، وأتلانى زغاليل حمر «٥» الحواصل:

كأنهم حيّات أرض محلة ... فلو يغضّون لذكىّ سمّهم

إذا نزلنا أرسلونى كاسبا ... وإن رحلنا ركبونى كلهم

ونشزت علينا البيض «٦» ، وشمست منا الصّفر، وأكلتنا السّود «٧» ، وحطمتنا الحمر، وانتابنا أبو مالك، فما تلقّانا أبو جابر إلّا عن عفر «٨» ، وهذه البصرة ماؤها هضوم، وفقيرها مهضوم، والمرء من ضرسه فى شغل، ومن نفسه فى كلّ، فكيف بمن:

يطوّف ما يطوّف ثم يأوى ... إلى زغب محدّدة العيون

كساهنّ البلى شعثا فتمسى ... جياع الناب ضامرة العيون

ولقد أصبحن اليوم وقد سرّحن الطّرف فى حىّ كميت، وفى بيت كلا بيت، وقلبن الأكفّ على ليت، فقضضن عقد الضلوع، وأفضن ماء الدموع، وتداعين باسم الجوع:

والفقر فى زمن اللثا ... م لكلّ ذى كرم علامه

<<  <  ج: ص:  >  >>