للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[أبو العيناء وابن ثوابة]]

وكان أبو العيناء يعادى ابن ثوابة لمعاداته لأبى صقر؛ فاجتمعا فى مجلس صاعد فى غد ذلك اليوم، فتلاحيا، فقال ابن ثوابة: أما تعرفنى؟ فقال:

بلى أعرفك ضيّق الطعن، كثير الوسن، خارّا على الذّقن، وقد بلغنى تعدّيك على أبى الصقر، وإنما حلم عنك؛ لأنه لم يجد لك عزّا فيذلّه، ولا علوّا فيضعه، ولا مجدا فيهدمه؛ فعاف لحمك أن يأكله، ودمك أن يسفكه، فقال ابن ثوابة: ما تسابّ إنسانان إلّا غلب ألأمها، فقال أبو العيناء: فلهذا غلبت بالأمس أبا الصقر!

[[من مكارم أبى الصقر]]

ومما يعدّ من مكارم أبى الصقر أن ابن ثوابة دخل عليه فى وزارته، فقال: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين، فقال أبو الصقر: لا تثريب عليك يغفر الله لك [وهو أرحم الراحمين] ، فما قصّر فى الإحسان إليه، والإنعام عليه، مدة وزارته.

[[أبو الصقر وأبو العيناء]]

ولما ولى أبو الصقر الوزارة خيّر أبا العيناء فيما يخبّه حتى يفعله به، فقال:

أريد أن يكتب [لى الوزير] إلى أحمد بن محمد الطائى يعرّفه مكانى، ويلزمه قضاء حق مثلى.

فكتب إليه كتابا بخطّه، فوصّله إلى الطائى، فسبب له فى مدة شهر مقدار ألف دينار، وعاشره أجمل عشرة، فانصرف بجميع ما يحبّه وكتب إلى أبى الصقر كتابا مضمنه: أنا- أعزّك الله- طليقك من الفقر، ونقيذك من البؤس، أخذت بيدى عند عثرة الدهر، وكبوة الكبر، وعلى أية حال حين فقدت الأولياء والأشكال والإخوان والأمثال، الذين يفهمون فى غير تعب، وهم الناس الذين كانوا غياثا للناس، فحللت عقدة الخلّة، ورددت إلىّ بعد النفور النعمة، وكتبت لى كتابا إلى الطائى، فكأنما كان منه إليك، أتيته وقد استصعبت علىّ الأمور، وأحاطت بى النوائب؛ فكثّر من بشره، وبذل من يسره، وأعطى من ماله أكرمه، ومن برّه أحكمه، مكرما لى

<<  <  ج: ص:  >  >>