للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[من عرف قدر النعمة استدامها]]

خطب سليمان بن عبد الملك فقال: أيها الناس، من لم يعلم أبواب مدخله فى الكرامة، وجهل طريقته التي وقعت به على النّعمة كان بعرض رجوع إلى دار هوان، وانقلاب بفادح خسران.

فقام إليه أبو وائلة السدوسى، وهو حاجبه، فقال: يا أمير المؤمنين كنا كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)

، ثم صرنا كما قال زهير:

يد الملك الجليل تناولتهم ... بإحسان فليس لها مزيل

لأنّ الخير أجمع في يديه ... وربّى بالجزاء له كفيل

فقال سليمان: هذه والله المعرفة بقدر النّعمة، والعلم بما يجب للمنعم.

ورؤى يونس بن المختار في دار المأمون، ومرتبته في أعلى مراتب بنى العباس، قاعدا على الأرض، فقال الحاجب: ارتفع يا أبا المعلّى إلى مرتبتك، قال: قد رفعنى الله إليها بأمير المؤمنين، وليس لى عمل يفى بها، فلم لا أكرمها عن القعود عنها «١» إلى أن يتهيّأ لى الشكر عليها؟ فبلغ الكلام المأمون؛ فقال:

هذا والله غاية الشكر، وبمثله تدرّ النّعم.

وقال رجل للمعلّى بن أيوب، وقد رفعه المعتصم إلى مرتبة أهل بيته:

ما يزيدك التقريب إلا تباعدا. فقال: يا هذا؛ إنى أصون تقريبه إياى بتباعدى منه؛ لئلا تفسد حرمتى عنده بقلّة الشكر على نعمته.

ولما استعان المنصور بالحارث بن حسّان قال له: يا حارث؛ إنّى قد مكّنتك من حسن رأيى فيك، فاحفظه بترك إغفال ما يجب عليك! قال: يا أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>