للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أمسكت، فدنوت منها، فقلت لها: بالله يا أعرابية، إلّا ما زدته في الوصية؛ قالت: أو قد أعجبك كلام العرب يا حضرى؟ قلت: نعم! قالت:

الغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلّة ريطتها وسربالها.

[فقر في مدح السفر]

أبو القاسم بن عباد الصاحب: الخبر المنقول أنّ المقبوض غريبا شهيد.

وفي الحديث: سافروا تغنموا. السفر أحد أسباب العيش التي بها قوامه، وعليها نظامه. إنّ الله لم يجمع منافع الدنيا في الأرض؛ بل فرّقها وأحوج بعضها إلى بعض. المسافر يسمع العجائب، ويكسب التجارب، ويجلب المكاسب.

الأسفار مما تزيدك علما بقدرة الله وحكمته، وتدعوك إلى شكر نعمته. ليس بينك وبين بلد نسب؛ فخير البلاد ما حملك. السفر يسفر عن أخلاق الرجال.

أوحش أهلك إذا كان في إيحاشهم أنسك، واهجر وطنك إذا نبت عنه نفسك.

ربما أسفر السفر عن الظّفر، وتعذّر في الوطن قضاء الوطر، وأنشد:

ليس ارتحالك تزتاد الغنى سفرا ... بل المقام على خسف هو السفر

وهذا كقول الطائى:

وما القفر بالبيد الفضاء، بل التى ... نبت بى وفيها ساكنوها هي القفر

أخذه المتنبى فقال:

إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا ... ألّا تفارقهم فالرّاحلون هم

[نقيض ذلك في ذم السفر والغربة]

فى الحديث إن المسافر وماله لعلى، قلت: إلّا ما وقى الله، أى على هلاك.

شيئان لا يعرفهما إلا من ابتلى بهما: السفر الشاسع، والبناء الواسع. السفر والسّقم والقتال ثلاث متقاربة؛ فالسفر سفينة الأذى، والسّقم حريق الجسد،

<<  <  ج: ص:  >  >>