للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبسّم الأعرابى وقال: يا أصمعى، ما هذا بدون الأول، ولا فوقه، ألا أنشدتنى كما قلت؟ قال الأصمعى: وما قلت؟ جعلت فداك! فأنشده:

تعلّقتها بكرا، وعلّقت حبّها ... فقلبى عن كلّ الورى فارغ بكر

إذا احتجبت لم يكفك البدر ضوءها ... وتكفيك ضوء البدر إن حجب البدر

وما الصبر عنها، إن صبرت، وجدته ... جميلا، وهل في مثلها يحسن الصّبر؟

[وحسبك من خمر يفوتك ريقها ... ووالله ما من ريقها حسبك الخمر]

ولو أنّ جلد الذّر لامس جلدها ... لكان لمسّ الذّر في جلدها أثر

ولو لم يكن للبدر ضدّا جمالها ... وتفضله في حسنها لصفا البدر

قال أبو نصر: قال لنا الأصمعى: اكتبوا ما سمعتم ولو بأطراف المدى في رقاق الأكباد!.

قال: وأقام عندنا شهرا، فجمع له الأصمعىّ خمسمائة دينار، وكان يتعاهدنا فى الحين بعد الحين، حتى مات الأصمعى وتفرّق أصحابنا!

[فقر من كلام الأعراب في ضروب مختلفة]

قال الجاحظ: ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا أنفع، ولا آنق، ولا ألذ في الأسماع، ولا أشدّ اتّصالا بالعقول السليمة، ولا أفتق للّسان، ولا أجود تقويما البيان، من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء.

قال ابن المقفع، وقد جرى ذكر الشعر وفضيلته: أى حكمة تكون أبلغ، أو أحسن، أو أغرب، أو أعجب، من غلام بدوىّ لم ير ريفا، ولم يشبع من طعام؛ يستوحش من الكلام، ويفزع من البشر، ويأوى إلى القفر واليرابيع والظّباء، وقد خالط الغيلان، وأنس بالجان؛ فإذا قال الشعر وصف ما لم يره،

<<  <  ج: ص:  >  >>