للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أعز الله الوزير، لو لم أكذب مستزيدا، لم انصرف مستفيدا، وإنى وإياه لكما قالت امرأة العزيز: «الآن حصحص الحقّ، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين» . فضحك عبيد الله، وقال: حجّتك الداحضة بملاحتك وظرفك أبلغ من حجّة غيرك البالغة.

[قطعة من رسالة أجاب بها أبو الخطاب الصابى]

عن أبى العباس بن سابور إلى الحسين بن صبرة عن رقعة وردت منه في صفة حمل أهداه وصلت رقعتك، ففضضتها عن خطّ مشرق، ولفظ مونق، وعبارة مصيبة، ومعان غريبة، واتساع في البلاغة يعجز عنه عبد الحميد في كتابته، وقسّ وسحبان فى خطابته؛ وتصرف بين جدّ أمضى من القدر، وهزل أرقّ من نسيم السّحر، وتقلّب في وجوه الخطاب، الجامع للصّواب؛ إلا أنّ الفعل قصّر عن القول، لأنك ذكرت حملا، جعلته بصفتك جملا، فكان المعيدىّ الذى تسمع به ولا أن تراه. وحضر فرأيت كبشا متقادم الميلاد، من نتاج قوم عاد، قد أفنته الدّهور، وتعاقبت عليه العصور، فظننته أحد الزّوجين اللذين جعلهما نوح في سفينته، وحفظ بهما جنس الغنم لذرّيته؛ صغر عن الكبر، ولطف عن القدم، فبانت دمامته، وتقاصرت قامته، وعاد ناحلا ضئيلا، باليا هزيلا، بادى السّقام، عارى العظام، جامعا للمعايب، مشتملا على المثالب، يعجب العاقل من حلول الحياة به، وتأتّى الحركة فيه، لأنه عظم مجّلد، وصوف ملبّد، لا تجد فوق عظامه سلبا، ولا تلقى يدك منه إلا خشبا، لو ألقى إلى السّبع لأباه، ولو طرح للذئب لعافه وقلاه، قد طال للكلأ فقده، وبعد بالمرعى عهده، لم ير القتّ إلا نائما، ولا عرف الشعير إلا حالما، وقد خيّرتنى بين أن أقتنيه فيكون فيه غنى

<<  <  ج: ص:  >  >>