للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدهر، أو أذبحه فيكون فيه خصب الرّحل؛ فملت إلى استبقائه لما تعرف من محبتى في التوفير، ورغبتى للتّثمير، وجمعى للولد، وادّخارى لغد، فلم أجد فيه مستمتعا للبقاء، ولا مدفعا للفناء؛ لأنه ليس بأنثى فتحمل، ولا بفتى فينسل، ولا بصحيح فيرعى، ولا بسليم فيبقى؛ فملت إلى الثانى من رأييك، وعوّلت على الآخر من قوليك، وقلت: أذبحه فيكون وظيفة للعيال، وأقيمه رطبا مقام قديد الغزال، فأنشدنى وقد أضرمت النار، وحدّت الشّفار، وشمّر الجزّار:

أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم

وقال: ما الفائدة لك في ذبحى؟ وأنا لم يبق منى إلا نفس خافت، ومقلة إنسانها باهت: لست بذى لحم، فأصلح للأكل؛ لأن الدهر قد أكل لحمى، ولا جلدى يصلح للدّباغ؛ لأن الأيام قد مزّفت أديمى، ولا لى صوف يصلح للغزل؛ لأن الحوادث قد حصّت وبرى؛ فإن أردتنى للوقود فكفّ بعر أبقى من نارى، ولن تفى حرارة جمرى بريح قتارى، فلم يبق إلا أن تطلبنى بذحل «١» أو بينى وبينك دم. فوجدته صادقا في مقالته، ناصحا في مشورته، ولم أعلم من أى أمريه أعجب؛ أمن مماطلته للدهر بالبقاء، م من صبره على الضرّ واللأواء «٢» ، أم من قدرتك عليه مع إعواز مثله، أم من تأهيلك للصدبق به مع خساسة قدره؟

ويا ليت شعرى إذ كنت- وإليك سوق الغنم، وأمرك ينفذ في الضأن والمعز، وكلّ كبش سمين وحمل بطين مجلوب إليك، مقصور عليك- تقول فيه قولا فلا تردّ، وتريده فلا تصدّ، وكانت هديتك هذا الذى كأنه ناشر من القبور، أو قائم عند النفخ في الصور، فما كنت مهديا لو أنك رجل من عرض الكتّاب، كأبى علىّ وأبى الخطّاب، ما كنت تهدى إلا كلبا أجرب، أو قردا أحدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>