للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها فأبت، وقالت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا ابنى، كان بطنى وعاؤه، وحجرى فناؤه، وثديى سقاؤه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام؛ فلم أزل بذلك سبعة أعوام، فلما استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوكعت أوصاله «١» ، وأمّلت نفعه، ورجوت عطفه، أراد أن يأخذه منى كرها، فآدنى أيها الأمير؛ فقد أراد قهرى، وحاول قسرى.

فقال أبو الأسود: هذا ابنى حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه فى أدبه، وأنظر فى تقويم أوده «٢» ، وأمنحه علمى، وألهمه حلمى، حتى يكمل عقله، ويستكمل فتله.

فقالت المرأة: صدق أصلحك الله؛ حمله خفّا، وحملته ثقلا، ووضعه شهوة، ووضعته كرها.

فقال زياد: اردد على المرأة ولدها؛ فهى أحقّ به منك، ودعنى من سجعك.

[[عظات ووصايا]]

قال الأصمعى: بلغنى أن بعض الحكماء كان يقول: إنى لأعظكم، وإنى لكثير الذنوب، مسرف على نفسى، غير حامد لها، ولا حاملها على المكروه فى طاعة الله. وقد بلوتها فلم أجد لها شكرا فى الرضاء، ولا صبرا على البلوى. ولو أن أحدا لا يعظ أخاه حتى يحكم أمره لترك الأمر.... ولكن محادثة الإخوان حياة القلوب وجلاء النفوس، وتذكير من النسيان، واعلموا أن الدنيا سرورها أحزان، وإقبالها إدبار، وآخر حياتها الموت، فكم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه؟ ولو تنظرون الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره.

جمع عبد الملك أهله وولده فقال: يا بنى أميّة، ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم، وأجملوا إذا طلبتم، واغفروا إذا قدرتم، ولا تلحفوا إذا سألتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم؛ فإن العفو بعد القدرة، والثناء بعد الخبرة، وخير المال ما أفاد حمدا ونفى ذما

<<  <  ج: ص:  >  >>