للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(وصف الهوى، وأمره)]

سئل بعض الحكماء عن الهوى، فقال: هو جليس ممتع، وأليف مؤنس، أحكامه جائزة «١» ، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والنفوس وآراءها، وأعطى زمام طاعتها، وقياد مملكتها، توارى عن الأبصار مدخله، وغمض عن القلوب مسلكه.

وسئلت أعرابية عن الهوى فقالت: لامتّع الهوى بملكه، ولا ملّى بسلطانه، وقبض الله يده، وأوهن عضده؛ فإنه جائر لا ينصف فى حكم، أعمى ما ينطق بعدل، ولا يقصر فى ظلم، ولا يرعوى للوم، ولا ينقاد لحقّ، ولا يبقى على عقل ولا فهم، لو ملك الهوى وأطيع لردّ الأمور على أدبارها، والدنيا على أعقابها.

ووصف أعرابى الهوى فقال: هوداء تدوى به النفوس الصّحاح، وتسيل منه الأرواح، وهو سقم مكتتم، وجمر مضطرم؛ فالقلوب له منضجة، والعيون ساكنة «٢» قال [أبو] عبيد الله بن محمد بن عمران المرزبانى: أخبرنى المظفر بن يحيى، قال:

أحبّ رجل امرأة دونه فى القدر، فعذله عمّه، فقال: يا عمّ، لا تلم مجبرا على سقمه؛ فإن المقر على نفسه مستغن عن منازعة خصمه، وإنما يلام من اقترف ما يقدر على تركه، وليس أمر الهوى إلى الرأى فيملكه، ولا إلى العقل فيدبره؛ بل قدرته أغلب، وجانبه أعزّ من أن تنفذ فيه حيلة حازم، أو لطف محتال.

وقال بعضهم: رأيت امرأتين من أهل المدينة تعاتب إحداهما الأخرى على هوى لها، فقالت: إنه يقال فى الحكمة الغابرة، والأمثان السائرة: لا تلومنّ من أساء بك الظنّ إذا جعلت نفسك هدفا للتهمة، ومن لم يكن عونا على نفسه مع خصمه لم يكن معه شىء من عقدة الرأى، ومن أقدم على هوى وهو يعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>