للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[قولهم في الوعد ومنزلة إنجازه]]

قال الجاحظ: قال أبو القاسم بن معن المسعودى لعيسى بن موسى: أيّها الأمير؛ ما انتفعت بك منذ عرفتك، ولا إلى خير وصلت منك منذ صحبتك، فقال: ولم؟ ألم أكلّم لك أمير المؤمنين في كذا وكذا؟ قال: بلى! فهل استنجزت ما وعدت، وعاودت ما ابتدأت؟ فقال: حالت دون ذلك أمور قاطعة، وأحوال عاذرة. قال: أيّها الأمير، فما زدتنى على أن نبّهت الهمّ من رقدته، وأثرت الحزن من ربضته، إنّ الوعد إذا لم يصحبه إنجاز يحقّقه كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه.

وكلّم منصور بن زياد يحيى بن خالد في حاجة لرجل، فقال: عده قضاءها.

قال: فقلت: أصلحك الله! وما يدعوك إلى العدة مع وجود القدرة؟ فقال: هذا قول من لا يعرف موضع الصّنائع من القلوب، إنّ الحاجة إذا لم يتقدّمها موعد ينتظر به نجحها لم تتجاذب الأنفس سرورها؛ إنّ الوعد تطعّم والإنجاز طعام؛ وليس من فاجأه طعام كمن وجد رائحته، وتمطّق به، وتطعمّه ثم طعمه؛ فدع الحاجة تختم بالوعد؛ ليكون بها عند المصطنع حسن موقع، ولطف محلّ.

ووعد المهدىّ عيسى بن دأب جارية، ثم وهبها له، فأنشده عبد الله بن مصعب الزبيرى معرّضا يقول مضرّس الأسدى:

فلا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان قدما بين أيد تبادره

فضحك المهدى، وقال: ادفعوا إلى عبد الله فلانة، لجارية أخرى؛ فقال عبد الله بن مصعب:

أنجز خير الناس قبل وعده ... أراح من مطل وطول كدّه

فقال ابن دأب: ما قلت شيئا، هلّا قلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>