للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليعلم الأستاذ أنّ في كبد الأعداء منى جمرة، وأنّ في أولاد الزنا عندنا كثرة، وقصاراهم نار يشبّونها، وعقرب يدبّبونها، ومكيدة يطلبونها، ولولا أن العذر إقرار بما قيل، وأكره أن أستقيل، لبسطت في الاعتذار شاذروانا، ودخلت في الاستقالة ميدانا، لكنه أمر لم أضع أوّله، فلم أتدارك آخره.

وقد أبى الشيخ أبو محمد- أيده الله- إلا أن يوصل هذا النثر الفاتر بنظم مثله فهاكه يلعن بعضه بعضا:

مولاى إن عدت ولم ترض لى ... أن أشرب البارد لم أشرب

امتط خدى وانتعل ناظرى ... وصد بكفى حمة العقرب

تالله ما أنطق عن كاذب ... فيك، ولا أبرق عن خلّب

فالصفو بعد الكذب المفترى ... كالصّحو عقب المطر الصّيّب «١»

إن أجتن الغلظة من سيدى ... فالشوك عند الثمر الطيب

أو يفسد الزّور على ناقد ... فالخمر قد يعصب بالثيّب

ولعل الشيخ أبا محمد- أيده الله- يقوم من الاعتذار بما قعد عنه القلم واللسان؛ فنعم رائد الفضل هو، والسلام.

[فقر من كلام سهل بن هرون للمأمون]

كان المأمون استثقل سهل بن هرون، فدخل عليه يوما، والناس على مراتبهم، فتكلّم المأمون بكلام ذهب فيه كلّ مذهب؛ فلما فرغ من كلامه أقبل سهل بن هرون على الجمع فقال: مالكم تسمعون ولا تعون، وتشاهدون ولا تفقهون، وتفهمون ولا تتعجّبون، وتتعجّبون ولا تنصفون؟ والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير ما فعل بنو مروان في الدهر الطويل، عربكم كعجمكم، وعجمكم كعبيدكم، ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء؟ فرجع المأمون فيه إلى الرأى الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>