للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحقّا يا قمامة؟ قال: حقّا، لقد رمت ختر «١» أمير المؤمنين! فقال عبد الملك:

وكيف لا يكذب علىّ يا أمير المؤمنين فى غيبتى من يبهتنى فى حضرتى؟

فقال الرشيد: دع قمامة، هذا ابنك عبد الرحمن ينبىء عنك بمثل خبر قمامة، فقال عبد الملك: إنّ عبد الرحمن مأمور أو عاقّ؛ فإن كان مأمورا فهو معذور، وإن كان عاقا فما أتوقّع من عقوقه أكثر.

[[فى مقام الخوف]]

وقال الرشيد للحسن بن عمران وقد أدخل عليه يرسف فى قيوده: ولّيتك دمشق وهى جنّة مونقة، تحيط بها غدر كاللّجين «٢» ، فتكف على رياض كالزّرابى، وكانت بيوت أموال فما برح بها التعدّى، حتى تركتها أجرد من الصّخر، وأوحش من القفر! فقال: يا أمير المؤمنين، ما قصدت لغير التوفيق من جهته، ولكنى ولّيت أقواما ثقل على أعناقهم الحقّ، فتفرّغوا فى ميدان التعدى، ورأوا أنّ المراغمة بترك العمارة أوقع بإضرار السلطان، وأنوه بالشنعة؛ فلا جرم أنّ موجدة أمير المؤمنين قد أخذت لهم بالحظّ الاوفر من مساءتى! فقال عبد الله ابن مالك: هذا أجزل كلام سمع لخائف، وهذا ما كنا نسمعه عن الحكماء «أفضل الأشياء بديهة أمن وردت فى مقام خوف» .

ولما رضى الرشيد عن يزيد بن مزيد دخل عليه فقال: الحمد لله الذى سهّل لى سبل الكرامة بلقائك، وردّ علىّ النعمة بوجه الرضا منك، وجزاك الله فى حال سخطك حقّ المتثبتين المراقبين، وفى حال رضاك حقّ المنعمين المتطوّلين؛ فقد جعلك الله- وله الحمد- تتثبّت [تحزّجا] عند الغضب، وتتطول [ممتنّا] بالنعم، وتستبقى المعروف عند الصنائع تفضّلا بالعفو.

<<  <  ج: ص:  >  >>