للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[من ترجمة سهل بن هرون، وأخباره]]

وكان أبو عمرو سهل بن هرون من أهل ميسان «١» نزل البصرة فنسب إليها، وهو القائل:

يأهل ميسان السلام عليكم ... الطيبون الفرع والجذم

أما الوجوه ففضّة مزجت ... ذهبا وأيد سحّة هضم «٢»

أتريد كلب أن أناسبها ... قد قلّ من كلب بى العلم

أجعلت بيتا فوق رابية ... فرع النّجوم كأنه نجم

كبييت شعر وسط مجهلة ... بفنائه الجعلان والبهم

وكان سهل شعوبيا، والشعوبية: فرقة تتعصب على العرب وتنتقصها، وكان أبو عبيدة يرمى بذلك.

وسهل ظريف عالم حسن البيان، وله كتب ظريفة صنّفها معارضا للأوائل فى كتبهم بما لا يستصو به منهم، حتى قيل له «بزرجمهر الإسلام» وقال يمدح رجلا:

عدوّ تلاد المال فيما ينوبه ... منوع إذا ما منعه كان أحزما

مذلل نفس قد أبت غير أن ترى ... مكاره ما تأتى من العيش مغنما

وهذا نظير قوله في كتاب «ثعلة وعفرة» الذى عارض به كليلة ودمنة: اجعلوا أداء ما يجب عليكم من الحقوق مقدّما قبل الذى تجودون به من تفضّلكم؛ فإن تقديم النافلة مع الإبطاء عن الفريضة مظاهر على وهن العقيدة، وتقصير الرويّة، ومضرّ بالتدبير، مخلّ بالاختيار، وليس في نفع محمدته عوض من فساد المروءة ولزوم النقيصة. وكتابه هذا مملوء حكما وعلما. وسهل القائل:

تقسّمنى همّان قد كسفا بالى ... وقد تركا قلبى محلّة بلبال

هما أذريا دمعى، ولم تذر عبرتى ... رهينة خدر ذات سمط وخلخال

ولا قهوة لم يبق منها على المدى ... سوى أن تحاكى النور في رأس ذيال

تحلّل منها جرمها وتماسكت ... لها نفس معدوم على الزمن الخالى

<<  <  ج: ص:  >  >>