للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفلها، فما رأيت أغزر أدبا من الواثق؛ خرج علينا ذات يوم وهو يقول: لقد عرض عرضة من عرضه لقول الخزاعى، يريد دعبلا:

خليلىّ ماذا أرتجى من غد امرىء ... طوى الكشح عنى اليوم وهو مكين

وإنّ امرأ قد ضنّ عنى بمنطق ... يسدّ؟؟؟ من خلّتى لضنين

فانبرى احمد بن أبى دواد يسأله كأنما نشط من عقال فى رجل من أهل اليمامة فأطنب وأسهب، وذهب فى القول كل مذهب؛ فقال الواثق: يا أبا عبد الله لقد أكثرت فى غير كبير، ولا طيّب، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه صديقى:

وأهون ما يعطى الصديق صديقه ... من الهيّن الموجود أن يتكلّما

فقال: وما قدر اليمامى أن يكون صديقك، وإنما أحسبه أن يكون من عرض معارفك؟. قال: يا أمير المؤمنين، إنه شهرنى بالاستشفاع إليك، وجعلنى بمرأى ومسمع من الردّ والإسعاف، فإذا لم أقم له هذا المقام أكون كما قال أمير المؤمنين آنفا:

خليلىّ ماذا أرتجى من غنى امرئ ... طوى الكشح عنى اليوم وهو مكين

فقال الواثق: بالله يا محمد بن عبد الملك إلّا عجّلت لأبى عبد الله حاجته، ليسلم من هجنة المطل، كما سلم من هجنة الرد.

[[من صفة ابن أبى دواد، وأخباره]]

وكان ابن أبى دواد من أحسن الناس تأتّيا، وكان يقول: ربما أردت أن أسأل أمير المؤمنين الحاجة بحضرة ابن الزيات فأؤخّر ذلك إلى وقت مغيبه؛ لئلا يتعلّم حسن التلطّف منى! وكان بينه وبين محمد بن عبد الملك عداوة عظيمة وأمر الواثق أصحابه أن ينهضوا قياما لأبى جعفر إذا دخل، ولم يرخّص فى ذلك لأحد، فاشتدّ الأمر على ابن أبى دواد، ولم يجد لخلاف الواثق سبيلا.

فوكّل بعض غلمانه بمراقبة موافاته، فإذا أقبل أخبره فنهض يركع، فقال ابن الزيات:

<<  <  ج: ص:  >  >>