للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[من رسائل بديع الزمان]]

كتب البديع أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن يحيى: أما أبو فلان فلا شك أنّ كتابى يرد منه على صدر محا اسمى من صحيفته، وقطع حظّى من وظيفته، ونسى اجتماعنا على الحديث والغزل، وتصرفنا فى الجدّ والهزل، وتقلّبنا فى أعطاف العيش، بين الوقار والطّيش، وارتضاعنا ثدى العشرة؛ إذ الزمان رقيق القشرة، وتواعدنا أن يلحق أحدنا بصاحبه، وتصافحنا من قبل ألّا نصرم الحبل، وتعاهدنا من بعد ألّا ننقض العهد، وكأنى به وقد اتخذ إخوانا فلا بأس، فإن كان للجديد لذة فللقديم حرمة، والأخوّة بردة لا تضيق بين اثنين، ولو شاء معاشرنا فى البين، وكان سألنى أن أرتاد له «١» منزلا ماؤه روىّ، ومرعاه غذى، وأكاتبه لينهض إليه راحلته؛ فهاك نيسابور «٢» ضالّته التى نشدتها وقد وجدتها، وخراسان أمنيته التى طلبتها وقد أصبتها، وهذه الدولة بغيته التى أرادها وقد وردتها، فإن صدّقنى رائدا، فليأتنى قاصدا.

وله إلى بعض إخوانه يعزيه عن أبيه: وصلت رقعتك يا سيدى والمصاب لعمر الله كبير، وأنت بالجزع جدير، ولكنك بالعزاء أجدر، والصبر عن الأحبّة رشد كأنه الغىّ، وقد مات الميت فليحى الحىّ، والآن فاشدد على مالك بالخمس، فأنت اليوم غيرك بالأمس، وكان الشيخ رحمه الله وكيلك، تضحك ويبكى لك، وقد موّلك ما ألّف فى سراه «٣» وسيره، وخلفك فقيرا إلى الله غنيا عن غيره، وسيعجم الشيطان عودك، فإن استلانك رماك بقوم يقولون: خير المال ما أتلف بين الشراب والشباب، وأنفق بين الحباب «٤» والأحباب، والعيش بين القداح والأقداح «٥» ، ولولا الاستعمال، ما أريد المال! فإن أطعتهم فاليوم فى الشراب، وغدا فى الخراب، واليوم واطربا للكاس، وغدا واحربا من

<<  <  ج: ص:  >  >>