كالسّهم أصاب غرّة الهدف، ودهاء كالبحر فى بعد الغور وقرب المغترف، لا يضع رأيه إلا مواضع الأصالة، ولا يصرف تدبيره إلّا على مواقع السداد والإصابة. يعرف من مبادىء الأقوال خواتم الأفعال، ومن صدور الأمور أعجاز ما فى الصدور. رؤيته رأى صليت، وبديهته قدر مصيب. يسافر رأيه وهودان لم يبرح، ويسير تدبيره وهوثاو لم ينزح. له رأى لا يخطىء شاكلة الصّواب، [ولا يخشى بادرة العثار. فلان يخمّر الرأى ويحيله، ويجيد الفكر ويجيله، حتى يحصل على لب الصواب] ، ومحض الرأى. إذا أذكى سراج الفكر، أضاء ظلام الأمر، هو قطب صواب تدور به الأمور، ومستنبط صلاح يردّ إليه التدبير. يرى العواقب فى مرآة عقله، وبصيرة ذكائه وفضله. وله رأى يردّ الخطب مصلّما، والرمح مقلّما. [آراؤه سكاكين فى مفاصل الخطوب] ، كأنه ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، ويطالعه بعين السّداد والتوفيق. يستنبط حقائق القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب. فد سرينا من مشورته فى ضياء ساطع، ومن رأيه الصائب فى حكم قاطع.
[نبذ من مفردات الأبيات فى فرائد المدح]
أبو نواس:
وكلت بالدهر عينا غير نائمة ... من جود كفيك تأسو كلّما جرحا
الطائى:
فلو صوّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع
البحترى:
ولو لم يكن فى كفّه غير نفسه ... لجاد بها فليتّق الله سائله
وله:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتوا ... لدى المجد حتى عدّ ألف بواحد