للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه صبغها، وحبّ القلوب كسته لباسها. أخذ لها حديدها الناصح بحظّ من الروم، وضرب لها نصابها الحالك بسهم من الزنج، فكأنها ليل من تحت نهار، أو مجمر أبدى سنا نار، ذات غرار ماض، وذباب قاض. سكين ذات منسر بازىّ، وجوهر هوائى، ونصاب زنجى، إن أرضيت أولت متنا كالدّهان، وإن أسخطت اتقّت بناب الأفعوان. سكّين أحسن من التّلاق، وأقطع من الفراق، تفعل فعل الأعداء، وتنفع نفع الأصدقاء. هى أمضى من القضاء، وأنفذ من القدر المتاح، وأقطع من ظبة السيف الحسام، وألمع من البرق في الغمام. جمعت حسن المنظر، وكرم المخبر، وتملّكت عنان القلب والبصر، ولم يحوجها عتق الجوهر إلى إمهاء الحجر «١»

[السّمر والمنادمة]

قال محمد بن أنس للقاسم بن صبيح: مازلنا في سمر نصل فصوله بتشوّقك، فيذهب ذكرك ملل السامر، ونعسة الساهر. فقال القاسم: مثلك ذكر صديقه فأطراه، واعتذر إليه فأرضاه، ولو كنتم آذنتمونى كنت أحدكم، مسرورا بما به سررتم، مفيضا فيما فيه أفضتم.

قال بعض الظرفاء: شرط المنادمة قلّة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف، والمسامحة في الشراب، والتغافل عن ردّ الجواب، وإدمان الرضا، واطّراح ما مضى، وإسقاط التحيّات، واجتناب اقتراح الأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسّر، وستر العيب، وحفظ الغيب.

وقد أحسن أبو عبد الرحمن العطوى في قوله:

حقوق الكاس والنّدمان خمس ... فأوّلها التزيّن بالوقار

وثانيها مسامحة النّدامى ... فكم حمت السماحة من ذمار

وثالثها، وإن كنت ابن خير ... البريّة محتدا، ترك الفخار

<<  <  ج: ص:  >  >>