وأطال الكلام، فقال له الأعرابى: يا هذا، إنك منذ اليوم آذيتنى بمزحك، وقطعتنى عن مسألتى بكلامك واعتذارك، وإنك لتكشف عن جهلك بكلامك ما كان السكوت يستره من أمرك، ويحك! إنّ الجاهل إن مزح أسخط، وإن اعتذر أفرط، وإن حدّث أسقط، وإن قدر تسلّط، وإن عزم على أمر تورّط، وإن جلس مجلس الوقار تبسّط؛ أعوذ منك ومن حال اضطراتنى إلى احتمال مثلك! وقال إسحاق الموصلى: قال أعرابى لرجل كان يعتمده بالعطية: أسأل الذى رحمنى بك أن يرحمك بى.
وسأل أعرابى رجلا، فأعطاه، فقال: الحمد لله الذى ساقنى إلى الرزق وساقك إلى الأجر:
[المقامة البلخيّة]
ومن انشاء البديع من مقامات الإسكندرى:
قال: حدثنا عيسى بن هشام قال: أفضت بى إلى بلخ تجارة البزّ، فوردتها وأنا بفروة الشباب «١» وبال الفراغ، وحلية الثروة، لا يهمّنى إلا نزهة فكر أستفيدها «٢» وشريدة من الكلام أصيدها؛ فما استأذن على سمعى مسافة مقامى، أفصح من كلامى. ولمّا حنى التفرق بنا قوسه أو كاد، دخل إلى شابّ في زى ملء العين، ولحية تشوك الأخدعين «٣» ، وطرف قد شرب بماء الرّافدين «٤» ، ولقينى من البرّ في السناء، بما زدته من الشكر والثناء؛ ثم قال: أظعنا تريد؟ قلت: