للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[عواقب الطيش]]

قال المأمون لطاهر بن الحسين: صف لى أخلاق المخلوع. قال: كان واسع الصّدر، ضيّق الأدب، يبيح من نفسه ما تأنفه همم الأحرار، ولا يصفى إلى نصيحة، ولا يقبل مشورة، يستبدّ برأيه، ويبصّر سوء عاقبته؛ فلا يردعه ذلك عما يهمّ به. قال: فكيف كانت حروبه؟ قال: كان يجمع الكتائب بالتبذير، ويفرّقها بسوء التدبير. فقال المأمون: لذلك حلّ ما حلّ به؛ أما والله لو ذاق لذّات النصائح، واختار مشورات الرجال، وملك نفسه عن شهواتها، لما ظفر به.

[[الأمين والمأمون]]

ولما عقد الرشيد البيعة للأمين وهو أصغر من المأمون لأجل أمّه زبيدة، وكلام أخيها عيسى بن جعفر، وقدّمه على المأمون، جعل يرى فضل عقله فيندم على ذلك، فقال:

لقد بان وجه الرّأى لى غير أنّنى ... غلبت على الأمر الذى كان أحزما

فكيف يرد الدر في الضّرع بعدما ... توزّع حتى صار نهبا مقسّما

أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وأن ينقض الحبل الذى كان أبرما

قال أسد بن يزيد بن مزيد: بعث إلىّ الفضل بن الربيع بعد مقتل عبد الرحمن الأنبارى، قال: فأتيته وهو في صحن داره، وفي يده رقعة قد غضب لما نظر فيها، وهو يقول: ينام نوم الظّربان، وينبه انتباه الذئب، همّته بطنه، ولذّته فرجه، لا يفكّر في زوال نعمة، ولا يتروّى في إمضاء رأى ولا مكيدة، قد شمّر له عبد الله عن ساقه، وفوّق له أسدّ سهامه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد، قد عبّى له المنايا على متون الخيل، وناط له البلاء في أسنّة الرماح وشفار السيوف، ثم تمّثل بشعر البعيث:

يقارع أتراك ابن خاقان ليله ... إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم

فيصبح في طول الطّراد وجسمه ... نحيل، وأضحى في النعيم أصمّم

<<  <  ج: ص:  >  >>