للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ولهم فى ضد ذلك]

بلد متضايق الحدود والأفنية، متراكب المنازل والأبنية. بلد حرّها مؤذ، وماؤها غير مغذ. بلدة وسخة السماء، رمدة الهواء، جوّها غبار، [وأرضها خبار «١» ] ، وماؤها طين، وترابها سرجين «٢» . وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز «٣» ، فكم فى شمسها من محترق، وفى ظلها من غرق. بلدة ضيقة الديار، سيئة الجوار، حيطانها أخصاص، وبيوتها أقفاص، وحشوشها مسايل، وطرقها مزابل.

[ولهم فى صفات الحصون والقلاع]

حصن كأنه على مرقب النجم، يحسر دونه الناظر، ويقصر عنه العقاب الكاسر، يكاد من علاه يغرق فى حوض الغمام. حصن انتطق بالجوزاء، وناجت أبراجه بروج السماء. قلعة حلّقت بالجو تناجى السماء بأسرارها. قلعة بعد فى السماء مرتقاها، حتى تساوى ثراها مع ثريّاها. قلعة تتوشّح بالغيوم، وتتحلّى بالنجوم.

قلعة عالية على المرتقى، صمّاء عن الرقى، قد جاوزت الجوزاء سمتا، وعزلت السماك الأعزل سمكا، هى متناهية فى الحصانة، موثوقة بالوثاقة، ممتنعة على الطلب والطالب، منصوبة على أضيق المسالك وأوعر المناصب، لم تزدها الأيام إلا نبوّ أعطاف، واستصعاب جوانب وأطراف، قد ملّ الولاة حصارها، ففارقوها عن طموح منها وشماس، وسئمت الجيوش ظلّها، فغادرتها بعد قنوط وياس، فهى حمى لا يراغ «٤» ، ومعقل لا يستطاع، كأنّ الأيام صالحتها على الإعفاء من الحوادث والليالى عاهدتها على التسليم من القوارع. قلعة يحوى من الرّفعة قدرا لا تستهان مواقعه، وتلوى فى المنعة جيدا لا تستلان أخادعه، ليس للوهم قبل القدوم إليها مسرى، ولا للفكر قبل الخطو نحوها مجرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>