للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[شعر الأعراب]]

قال عبد الرحمن بن أخى الأصمعى: سمعت عمّى يحدث قال: أرقت ليلة من الليالى بالبادية، وكنت نازلا عند رجل من بنى الصّيداء «١» ، وكان واسع الرّحل، كريم المحل، فأصبحت وقد عزمت على الرجوع إلى العراق، فأتيت أبا مثواى «٢» ، فقلت: إنى قد هلعت «٣» من الغربة، واشتقت إلى أهلى، ولم أفد فى قدمتى هذه كبير علم. وإنما كنت أغتفر وحشة الغربة وجفاء البادية للفائدة؛ فأظهر الجفاوة حتى أبرز غداء له فتغدّيت، وأمر بناقة مهريّة «٤» كأنها سبيكة لجين [فارتحلها] واكتفلها، ثم ركب وأردفنى، وأقبلها مطلع الشمس؛ فما سرنا كبير مسير حتى لقينا شيخ على حمار، له جمّة قد صبغها بالورس «٥» ، كأنها قنبيطة، وهو يترنّم، فسلّم عليه صاحبى، وسأله عن نسبه فاعتزى أسديا من بنى ثعلبة.

قال: أتروى أم تقول؟ قال: كلّا. قال: أين تؤم؟ فأشار إلى موضع قريب من الموضع الذى نحن فيه. فأناخ الشيخ، وقال لى: خذ بيد عمك فأنزله عن حماره، ففعلت، وألقى له كساء قد اكتفل به، ثم قال: أنشدنا يرحمك الله وتصدق على هذا الغريب بأبيات يبثهن عنك، ويذكرك بهن، فأنشدنى له:

لقد طال يا سوداء منك المواعد ... ودون الجدا المأمول منك الفراقد

تمنّيننا بالوصل وعدا، وغيمكم ... ضباب، فلا صحو، ولا الغيم جائد

إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد

وقلّ غناء عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثا وواراك لاحد

إذا أنت لم تعرك بجنبيك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد

<<  <  ج: ص:  >  >>