للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا حفّته العيوب، وقبّحته الذنوب؛ فلا يضيق عنى من عفوك ما وسع غيرى منك، فأنت كما قال الشاعر فيك:

صفوح عن الأجرام حتى كأنه ... من العفو لم يعرف من الناس مجرما

وليس يبالى أن يكون به الأذى ... إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما

والشعر للحسن بن رجاء بن أبى الضحاك.

[[بين المنصور والربيع]]

وقال سعيد بن مسلم بن قتيبة: دعا المنصور بالربيع، فقال: سلنى ما تريد، فقد سكتّ حتى نطقت، وخفّفت حتى ثقّلت، وأقللت حتى أكثرت.

فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أرهب بخلك، ولا أستقصر عمرك، ولا أستصغر فضلك، ولا أغتنم مالك؛ وإنّ يومى بفضلك علىّ أحسن من أمسى، وغدك في تأميلى أحسن من يومى؛ ولو جاز أن يشكرك مثلى بغير الخدمة والمناصحة لما سبقنى لذلك أحد.

قال: صدقت، علمى بهذا منك أحلّك هذا المحلّ؛ فسلنى ما شئت قال: أسألك أن تقرّب عبدك الفضل، وتؤثره وتحبّه.

قال: يا ربيع إنّ الحب ليس بمال يوهب، ولا رتبة تبذل؛ وإنما تؤكّده الأسباب.

قال: فاجعل لى طريقا إليه، بالتفضل عليه قال: صدقت، وقد وصلته بألف ألف درهم، ولم أصل بها أحدا غير عمومتى؛ لتعلم ماله عندى، فيكون منه ما يستدعى به محبّتى، ثم قال:

فكيف سألت له المحبة يا ربيع؟

قال: لأنها مفتاح كلّ خير، ومغلاق كلّ شر، تستر بها عندك عيوبه، وتصير حسنات ذنوبه.

قال: صدقت وأتيت بما أردت في بابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>