للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوغر صدر الصديق، وينفّر الرفيق. والمزاح يبدى السرائر؛ لأنه يظهر المعاير.

والمزاح يسقط المروءة، ويبدى الخنى. لم يجرّ المزح خيرا، وكثيرا ما جرّ شرّا.

الغالب بالمزاح واتر، والمغلوب به ثائر. والمزاح يجلب الشتم صغيره والحرب كبيره، وليس بعد الحرب إلا عفو بعد قدرة.

فقال الحجاج: حسبك، الموت خير من عفو معه قدرة.

وذكر المزاح بحضرة خالد بن صفوان فقال: ينشق أحدكم أخاه مثل الخردل، ويفرغ عليه مثل المرجل، ويرميه بمثل الجندل. ثم يقول: إنما كنت أمزح! أخذ هذا المعنى محمود بن الحسين الوراق فقال:

تلقى الفتى يلقى أخاه وخدنه ... فى لحن منطقه بما لا يغفر

ويقول: كنت ممازحا وملاعبا ... هيهات نارك في الحشى تتسعّر!

أو ما علمت وكان جهلك غالبا ... أنّ المزاح هو السّباب الأصغر

[فقر في هذا النحو لأهل العصر وغيرهم]

المزاحة تذهب بالمهابة، وتورث الضغينة. الإفراط فى المزاح محون، والاقتصاد فيه ظرف، والتقصير عنه ندامة. أوكد أسباب القطيعة المراء والمزاح.

ابن المعتز- من كثر مزاحه لم يخل من استخفاف به أو حقد عليه.

قال أيوب بن القرّيّة: الناس ثلاثة: عاقل، وأحمق، وفاجر؛ فالعاقل الدّين شريعته، والحلم طبيعته، والرأى الحسن سجيّته؛ إن سئل أجاب، وإن نطق أصاب، وإن سمع العلم وعى، وإن حدّث روى. وأما الأحمق فإن تكلّم عجل، وإن حدّث وهل «١» ، وإن استنزل عن رأيه نزل، فإن حمل على القبيح حمل. وأمّا الفاجر فإن ائتمنته خانك، وإن حدّثته شانك، وإن وثقت به لم يرعك، وإن استكتم لم يكتم، وإن علم لم يعلم، وإن حدّث لم يفهم، وإن فقّه لم يفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>