للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنك ديّان عليها موكّل ... بها، وعلى كفّيك يجرى حسابها

إليك رحلنا العيس إذا لم نجد لها ... أخا ثقة يرجى لديه ثوابها

قال: فتبّسم الأعرابى، وهزّ رأسه، فظننّا أنّ ذلك لاستحسانه الشعر، ثم قال: يا أصمعىّ؛ هذا شعر مهلهل خلق النّسج، خطؤه أكثر من صوابه، يغطى عيوبه حسن الرّوىّ، ورواية المنشد؛ يشبّهون الملك إذا امتدح بالأسد، والأسد أبخر شتيم المنظر «١» ، وربما طرده شرذمة من إمائنا، وتلاعب به صبياننا، ويشبّهونه بالبحر، والبحر صعب على من ركبه، مرّ على من شربه، وبالسيف وربما خان فى الحقيقة، ونبا عند الضّريبة! ألا أنشدتنى كما قال صبىّ من حيّنا! قال الأصمعى: وماذا قال صاحبكم؟ فأنشده:

إذا سألت الورى عن كل مكرمة ... لم يعز إكرامها إلا إلى الهول

فتى جواد أذاب المال نائله ... فالنّيل يشكر منه كثرة النّيل

الموت يكره أن يلقى منيّته ... فى كرّه عند لفّ الخيل بالخيل

وزاحم الشمس أبقى الشمس كاسفة ... أو زاحم الصّمّ ألجاها إلى الميل

أمضى من النجم إن نابته نائبة ... وعند أعدائه أجرى من السّيل

لا يستريح إلى الدنيا وزينتها ... ولا تراه إليها ساحب الذّيل

يقصّر المجد عنه في مكارمه ... كما يقصّر عن أفعاله قولى!

قال أبو نصر: فأبهتنا والله ما سمعنا من قوله، قال: فتأنّى الأعرابى، ثم قال للأصمعى: ألا تنشدنى شعرا ترتاح إليه النفس، ويكن إليه القلب؟

فأنشده لابن الرّقاع العاملى:

وناعمة تجلو بعود أراكة ... مؤشّرة يسبى المعانق طيبها

كأنّ بها خمرا بماء غمامة ... إذا ارتشفت بعد الرّقاد غروبها

أراك إلى نجد تحنّ، وإنما ... منى كلّ نفس حيث كان حبيبها

<<  <  ج: ص:  >  >>