للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإقدامى إذ ما الخيل جالت ... وهاب كماتها حرّ الطّعان «١»

وكان يتعشّق جارية ببغداد فإذا شخص إلى الحضرة زارها، فركب فى بعض قدماته إليها، فلما صار بالجسر مشى على طرف طيلسان بعض المارّين، فخرقه، فأخذ بعنانه، وقال: يا أبا دلف؛ ليست هذه كرخك، هذه مدينة السلام؛ الذئب والشاة بها فى مربع واحد! فثنى عنانه متوجّها إلى الكرخ، وكتب إلى الجارية:

قطعت عن لقائك الأشغال ... وهموم أتت علىّ ثقال

فى بلاد يهان فيها عزيز الق ... وم حتى تناله الأنذال

حيث لا مدفع بسيف عن الضيم ... ولا للكماة فيها مجال

ومقام العزيز فى بلد الهو ... ن إذا أمكن الرحيل محال

فعليك السلام يا ظبية الكر ... خ أقمتم وحان منّا ارتحال

ودخل أبو دلف على المأمون بعد الرّضا عنه، فسأله عن عبد الله بن طاهر، فقال:

خلّفته يا أمير المؤمنين أمين غيب، نصيح جيب، أسدا عاتيا، قائما على براثنه، يسعد به وليّك، ويشقى به عدوّك، رحب الفناء لأهل طاعتك، ذا بأس شديد لمن زاغ عن قصد محجّتك، قد فقّهه الحزم، وأيقظه العزم، فقام فى نحر الأمور على ساق التشمير، يبرمها بأيده «٢» وكيده، ويفلّها بحدّه وجدّه؛ وما أشبهه فى الحرب إلا بقول العباس بن مرداس:

أكرّ على الكتيبة لا أبالى ... أحتقى كان فيها أم سواها

[فقال قائل: ما أفصحه على جبليّته! فقال المأمون: وإن بالجبل قوما أمجادا، كراما أنجادا، وإنهم ليوفّون السيف حظّه يوم النّزال، والكلام حقّه يوم المقال، وإن أبا دلف منهم] .

<<  <  ج: ص:  >  >>