أشرقنى الخجل بريقه، وأرهقنى المكان لضيقه، فلما فرغ القرّاد من شغله، وانتفض المجلس عن أهله، قمت وقد كسانى الرّيب حلّته، ووقفت لأرى صورته، فإذا أبو الفتح الإسكندرى، فقلت: ما هذه الدناءة؟ ويحك! فقال:
الذنب للأيام لا لى ... فاعتب على صرف اللّيالى
بالحمق أدركت المنى ... ورفلت فى ثوب الجمال
ومن إنشائه فى هذا الباب أيضا: حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بأصفهان أعتزم المسير إلى الرّىّ، فحللتها حلول الفىّ «١» ، أتوقّع النّقلة كل لمحة، وأترقّب الرّحلة كلّ صبحة؛ فلما حمّ ما توقّعته، وأزف ما ترقّبته، نودى للصلاة نداء سمعته، وتعيّن فرض الإجابة؛ فانسللت من بين الصحابة، أغتنم الجماعة أدركها، وأخشى فوات القافلة أتركها، لكنى استعنت ببركة الصلاة، على وعثاء الفلاة؛ فضرت إلى أول الصفوف، ومثلت للوقوف، وتقدّم الإمام للمحراب، وقرأ فاتحة الكتاب، [وثنّى بالأحزاب «٢» ] ، بقراءة حمزة، مدّة وهمزة، وأتبع الفاتحة بالواقعة، وأنا أتصلّى بنار الصبر وأتصلّب، وأتقلّى على جمر الغيظ وأتقلّب، وليس إلا السكوت والصبر، أو الكلام والقبر، لما عرفت من خشونة القوم فى ذلك المقام، أن لو قطعت الصلاة دون السلام، فوقفت بقدم الضرورة على تلك الصورة، إلى انتهاء السورة، وقد قنطت من القافلة، ويئست من الراحلة، ثم حنى قوسه للركوع، بنوع من الخشوع، وضرب من الخضوع، لم أعهده قبل ذلك، ثم رفع رأسه ويده، وقال: سمع الله لمن حمده، وقام، حتى ما شككت أنه نام، ثم أكبّ لوجهه، فرفعت رأسى أنتهز فرصة، فلم أر بين الصفوف فرجة، فعدت للسجود، حتى كبّر للقعود، وقام للركعة الثانية، وقرأ الفاتحة والقارعة، فعدت للسجود، حتى كبّر للقعود، وقام للركعة الثانية، وقرأ الفاتحة والقارعة، قراءة استوفى فيها عمر الساعة، واسترقّ أرواح