للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى طالب كرّم الله وجهه: قيمة كلّ امرىء ما يحسن. أفتعرف أحدا من الخطباء البلغاء يحسن أن يصف أحدا من خلفاء الله الراشدين المهديين بهذه الصّفة؟

قلت: لا. قال: فقد أمرت لهما بعشرين ألف دينار، واجعل العذر مادة بينى وبينهما في الجائزة [على المعوز] ؛ فلولا حقوق الإسلام وأهله لرأيت إعطاءهما ما في بيت مال الخاصة والعامة دون ما يستحقّانه.

وقال الجاحظ: حدّثنى حميد بن عطاء قال: كنت عند الفضل بن سهل، وعنده رسول ملك الخزر، وهو يحدّثنا عن أخت لملكهم، قال: أصابتنا سنة احتدم شواظها علينا بحرّ المصائب، وصنوف الآفات؛ ففزع الناس إلى الملك، فلم يدر ما يجيبهم به، فقالت أخته: أيها الملك؛ إن الخوف لله خلق لا يخلق جديده، وسبب لا يمتهن عزيزه، وهو دالّ الملك على استصلاح رعيّته، وزاجره عن استفسادها، وقد فزعت إليك رعيّتك بفضل العجز عن الالتجاء إلى من لا تزيده الإساءة إلى خلقه عزّا، ولا ينقصه العود بالإحسان إليهم ملكا، وما أحد أولى بحفظ الوصية من الموصّى، ولا بركوب الدلالة من الدّال، ولا بحسن الرعاية من الرّاعى. ولم تزل في نعمة لم تغبرها نقمة، وفي رضا لم يكدّره سخط، إلى أن جرى القدر بما عمى عنه البصر، وذهل عنه الحذر، فسلب الموهوب، والواهب هو السالب؛ فعد إليه بشكر النعم، وعذبه من فظيع النّقم، فمتى تنسه ينسك، ولا تجعلنّ الحياء من التذلل للمعزّ المذل سترا بينك وعين رعيتك، فتستحق مذموم العاقبة؛ ولكن مرهم ونفسك بصرف القلوب إلى الإقرار له بكنه القدرة، وبتذلل الألسن في الدعاء بمحض الشّكر له؛ فإن الملك ربما عاقب عبده ليرجعه عن سيّئ فعل إلى صالح عمل، أو ليبعثه على دائب شكر ليحرز به فضل أجر.

فأمرها الملك أن تقوم فيهم فتنذرهم بهذا الكلام، ففعلت، فرجع القوم وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>