فعاجوا فأثنوا بالّذى أنت أهله
أنه كان مع الفرزدق عند سليمان بن عبد الملك، فقال سليمان بن عبد الملك: يا فرزدق؛ من أشعر الناس؟ قال: أنا يا أمير المؤمنين، قال: لماذا؟ قال بقولى:
وركب كأنّ الريح تطلب عندهم ... لهاترة من جذبها بالعصائب
سروا وسرت نكباء وهي تلفّهم ... إلى شعب الأكوارذات الحقائب «١»
إذا آنسوا نارا يقولون: ليتها، ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
يريد أباه- وهو غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان ابن مجاشع- فأعرض عنه سليمان كالمغضب؛ لأنه إنما أراد أن ينشد مدحا فيه؛ ففهم نصيب مراده، فقال: يا أمير المؤمنين؛ قد قلت أبياتا على هذا الروىّ ليست بدونها، فقال: هاتها؛ فأنشأ نصيب يقول:
أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب «٢»
فقد أخبرونى عن سليمان أننى ... لمعروفه من آل ودّان طالب «٣»
فعاجوا فأثنوا بالّذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
فقالوا: تركناه وفي كلّ ليلة ... يطيف به من طالبى العرف راكب
ولو كان فوق الناس حىّ فعاله ... كفعلك أو للفعل منك يقارب
لقلنا: له شبه، ولكن تعذّرت ... سواك عن المستشفعين المطالب
هو البدرو الناس الكواكب حوله ... وهل تشبه البدر المنير الكواكب
فقال سليمان: أحسنت، والتفت إلى الفرزدق، فقال: كيف تسمع يا أبا فراس؟
قال: هو أشعر أهل جلدته، قال: وأهل جلدتك؛ فخرج الفرزدق وهو يقول: