للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقام زمانا يسمع القول صامتا ... ونحسبه إن رام أكدى وأصلدا

[فلما امتطاه راكبا ذلّ صعبه ... وسار فأضحى قد أغار وأنجدا]

والفتح بن خاقان يقول:

وإنى وإياها لكالخمر، والفتى ... متى يستطع منها الزيادة يزدد

إذا ازددت منها زاد وجدى بقربها ... فكيف احتراسى من هوى متجدّد

وكتب إلى أبى الحسن عبيد الله بن يحيى: وإن أمير المؤمنين لمّا استخلصك لنفسه، وائتمنك على رعيّته؛ فنطق بلسانك، وأخذ وأعطى بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانه إياك، وتسليطه الحقّ على الهوى فيك، وبعد أن مثّل بينك وبين الذين سموا لمرتبتك، وجروا إلى غايتك، فأسقطهم مضاؤك، وخفّوا في ميزانك، ولم يزدك- أكرمك الله- رفعة وتشريفا إلّا ازددت له هيبة وتعظيما، ولا تسليطا وتمكينا، إلا زدت نفسك عن الدنيا عزوفا وتنزيها، ولا تقريبا واختصاصا، إلا ازددت بالعامة رأفة وعليها حدبا، لا يخرجك فرط النصح له عن النظر لرعيّته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ بحقّها عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمين ما هو عليه، ولا يشغلك معاناة كبار الأمور عن تفقّد صغارها، ولا الجدّ في صلاح ما يصلح منها عن النظر في عواقبها؛ تمضى ما كان الرّشد في إمضائه، وترجىء ما كان الحزم في إرجائه، وتبذل ما كان الفضل في بذله، وتمنع ما كانت المصلحة في منعه، وتلين في غير تكبّر، وتخصّ في خير ميل، وتعمّ في غير تصنّع، لا يشقى بك المحقّ وإن كان عدوّا، ولا يسعد بك المبطل وإن كان وليّا؛ فالسلطان يعتدّ لك من الغناء والكفاية، والذّبّ والحياطة، والنّصح والأمانة، والعفّة والنزاهة، والنصب فيما أدّى إلى الراحة، بما يراك معه- حيث انتهى إحسانه إليك- مستوجبا للزيادة وكافة الرعية- إلا من غمط منهم النّعمة- مثنون عليك بحسن السيرة، ويمن النقيبة، ويعدّون من مآثرك أنك لم تدحض لأحد حجّة؛ ولم تدفع حقّا

<<  <  ج: ص:  >  >>