للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تأمن أن يغتابك عند غيرك.

قال إبراهيم بن العباس في هذا النحو.

إنى متى أحقد بحقدك ... لا أضرّ به سواكا

ومتى أطعتك في أخيك ... أطعت فيك غدا أخاكا

حتّى أرى متقسّما ... يومى لذا، وغدا لذاكا

حسب الكاذب بعقله سقما وبقلبه خصما

ابن المعتز: علامة الكذاب جوده باليمين لغير مستحلف، وقال:

وفي اليمين على ما أنت فاعله ... ما دلّ أنك في الميعاد متّهم

وقال: اجتنب مصاحبة الكذّاب، فإن اضطررت إليه فلا تصدّقه، ولا تعلمه أنك تكذّبه، فينتقل عن ودّه، ولا ينتقل عن طبعه. يعترى حديث الكذّاب من الاختلاف مالا يعترى الجبان من الارتعاد عند الحرب. لا تصحّ للكذّاب رؤيا؛ لأنه يخبر عن نفسه في اليقظة بما لم ير، فتريه في النوم ما لا يكون، وأنشد:

لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء، أو من قلّة الأدب

ولأهل العصر: فلان منغمس في عيبه، يكذب لذيله على جيبه، يقول بهتا، وزورا بحتا، قد ملأ قلبه رينا، وقوله مينا؛ يدين بالكذب مذهبا، ويستثير الزّور مركبا، أقاويل يتمشّى الزّور في مناكبها، ويبرز البهتان في مذاهبها.

وقال أعرابى لابنه وسمعه يكذب: يا بنى، عجبت من الكذّاب المشيد بكذبه، وإنما يدلّ على عيبه، ويتعرّض للعقاب من ربّه؛ فالآثام له عادة، والأخبار عنه متضادّة، إن قال حقا لم يصدّق، وإن أراد خيرا لم يوفّق؛ فهو الجانى على نفسه بفعاله، والدّالّ على فضيحته بمقاله. فما صحّ من صدقه نسب إلى غيره، وما صحّ من كذب غيره نسب إليه، فهو كما قال الشاعر:

حسب الكذوب من المها ... نة بعض ما يحكى عليه

ما إن سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>