للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راح كالنار والنّور والنّور، أصفى من البلّور، ومن دمع المهجور. روح نور لها من الكأس جسم، كأنها شمس في غلالة سراب. شراب أكاد أقول:

هو أصفى من مودّتى لك، ومن نعم الله عندى فيك، وأطيب من إسعاف الزمان بلقائك. مدامة قد سبك الدهر تبرها فصفا. كأس كأنها نور ضميره نار. راح كياقوتة في درّة، أصفى من ماء السماء، ودمع العاشقة المرهاء «١» ، أحسن من الدنيا المقبلة، والنعم المكملة. أحسن من العافية في البدن، وأطيب من الحياة في السرور. أرقّ من نسيم الصّبا، وعهد الصّبا. أرقّ من دمع محبّ، وشكوى صبّ. أرقّ من دموع العشّاق، مرتها لوعة الفراق.

مزج نار الرّاح بنور الماء. راح كأنها معصورة من وجنة الشمس، فى كأس كأنها مخروطة من فلقة البدر. كأسها ملء اليد، وريحها ملء البلد، تصبّ على الليل ثوب النهار، كأنها في الكأس معنى دقيق في ذهن لطيف.

كأنّ الراح من خدّه معصورة، وملاحة الصورة عليها مقصورة. وهذا من قول الطائى

كأنها من خدّه تعصر

وقال عبد السلام بن رغبان الملقب بديك الجن الشاعر المشهور:

معتّقة من كفّ ظبى كأنما ... تناولها من خدّه فأدارها

تمشّت الصّهباء في عظامهم، وترقّت إلى هامهم، وماست في أعطافهم، ومالت بأطرافهم. سارت فيهم الكئوس، ونالت منهم سورة الخندريس «٢» .

شربت عقولهم، وملكت قلوبهم.

وقال أبو نواس، وهو أستاذ الناس في هذا الشأن:

صفة الطول بلاغة الفدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم

تصف الطلول على السماع بها ... أفذو العيان كثابت العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>