للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أحسن ابن كناسة في رثاء ولده يحيى، أنشده أبو العباس ثعلب:

تيمّمت فيه الفأل حتى رزئته ... ولم أدر أن الفال فيه يفيل

فسمّيته يحيى ليحيا؛ فلم يكن ... إلى ردّ أمر الله فيه سبيل

وروى المدائنى قال: خرج كثيّر من الحجاز يريد مصر، فلما قرب منها نزل بمنزل، فإذا هو بغراب على شجرة بان ينتف ريشه وينعب؛ فأسرع الرحيل، ومضى لوجهه؛ فلقيه رجل من بنى نهد، فقال: يا أخا الحجاز؛ مالى أراك كاسف اللون؟ قال: ما علمت إلا خيرا، قال: فهل رأيت في طريقك شيئا أنكرته؟ قال: لا والله إلا في منزلى هذا، فإنى رأيت غرابا ينتف ريشه على بانة وينعب. قال: أما إنك تطلب حاجة لا تدركها.

فقدم مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال:

رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينتّف أعلى ريشه ويطايره

فقلت- ولو أنى أشاء زجرته ... بنفسى- للنهدىّ: هل أنت زاجره؟

فقال: غراب لاغتراب من النوى ... وفي البان بين من حبيب تجاوره

فما أعيف النهدىّ، لا درّ درّه! ... وأزجره للطير، لا عزّ ناصره

ثم أتى قبر عزة فأناخ به ساعة ثم رحل، وهو يقول:

أقول ونضوى واقف عند رأسها ... عليك سلام الله والعين تسفح

فهذا فراق الحق لا أن تزيرنى ... بلادك فتلاء الذراعين صيدح «١»

وقد كنت أبكى من فراقك حيّة ... وأنت لعمرى اليوم أنأى وأنزح

وقال جرير:

بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما نعبوا لبين تجزع

إن السّوانح بالضّحى هيّجننى ... فى دار زينب والحمام الوقع

وقال عوف الراهب خلاف هذا:

غلط الذين رأيتهم بجهالة ... يلحون كلّهم غرابا ينعق

<<  <  ج: ص:  >  >>