للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عزم معاوية على البيعة ليزيد كتب إلى زياد أن يوجّه إليه بوفد أهل العراق، فبعث إليه بوفد البصرة والكوفة، فتكلّمت الخطباء فى يزيد، والأحنف ساكت، فلما فرغوا قال: قل يا أبا بحر، فإنّ العيون إليك أشرع منها إلى غيرك. فقام الأحنف فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أمير المؤمنين؛ إنك أعلمنا بيزيد فى ليله ونهاره، وإعلانه وإسراره، فإن كنت تعلمه لله رضا فلا تشاور فيه أحدا، ولا تقم له الخطباء والشعراء، وإن كنت تعلم بعده من الله فلا تزوّده من الدنيا وترحل أنت إلى الآخرة؛ فإنك تصير إلى يوم يفرّ [فيه] المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه. قال: فكأنه أفرغ على معاوية ذنوب ماء بارد. فقال له: اقعد يا أبا يحر؛ فإن خيرة الله تجرى، وقضاء الله يمضى، وأحكام الله تنفذ، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه؛ وإن يزيد فتى قد بلوناه «١» ، ولم نجد فى قريش فتى هو أجدر بأن يجتمع عليه منه.

فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تحكى عن شاهد، ونحن نتكلّم على غائب، وإذا أراد الله شيئا كان.

قال ابن الرومى:

إن امرأ رفض المكاسب واغتدى ... يتعلّم الآداب حتى أحكما

فكسا وحلّى كلّ أروع ماجد ... من حرّ ما حاك القريض ونظّما

ثقة برعى الاكرمين حقوقه ... لأحقّ ملتمس بألّا يحرما

قال أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمّار: ومن نادر شعر أبى الحسن فى هذا المعنى قوله، ووصف إتعاب الشعراء أنفسهم بدءو بهم فى صناعتهم، وما يتصرّم من أعمارهم، وأن إلحاحهم فى طلب ما فى أيدى من أسلفوه مديحهم لو كان رغبة منهم إلى ربّهم كان أجدى عليهم، وأقرب من درك بغيتهم، ونجح طلبتهم، ثم انحرف إلى توبيخ من مدحه فحرمه بأحسن عبارة، وأرضى استعارة، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>