وفى الحديث الشريف: «من أحبّ فعفّ فمات فهو شهيد» .
والعفاف مع البذل، كالاستطاعة مع الفعل، كما قال صريع الغوانى:
وما ذمّى الأيام أن لست مادحا ... لعهد لياليها التى سلفت قبل
ألا ربّ يوم صادق العيش نلته ... بها ونداماى العفافة والبذل «١»
وأنشد الصولى لأبى حاتم السجستانى فى المبرّد، وكان يلزم حلقته، وكان من الملاح وهو غلام:
ماذا لقيت اليوم من ... متمجّن خنث الكلام «٢»
وقف الجمال بوجهه ... فسمت له حدق الانام
حركاته وسكونه ... يجنى بها ثمر الأثام
فإذا خلوت بمثله ... وعزمت فيه على اعترام
لم أعد أخلاق العفا ... ف وذاك أوكد للغرام
نفسى فداؤك يا أبا ال ... عباس جلّ بك اعتصام
فارحم أخاك فإنه ... نزر الكرى بادى السقام
وأنله ما دون الحرا ... م فليس يرغب فى الحرام
وكان أبو حاتم يتصدّق كلّ يوم بدرهم، ويختم القرآن فى كل أسبوع.
وذكر أنه اجتمع أبو العباس بن سريج الشافعى، وأبو بكر بن داود العباسى فى مجلس على بن عيسى بن الجراح الوزير، فتناظرا فى الإيلاء، فقال ابن سريج:
أنت بقولك: «من كثرت لحظاته دامت حسراته» أبصر منك بالكلام فى الإيلاء، فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك فإنى أقول:
أنزّه فى روض المحاسن مقلتى ... وأمنع نفسى أن تنال محرّما