للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعدّه من خالص ملكى منتسب إلى عطائه، أو مكتسب بجميل آرائه. مسافة بصرى تبعد إن سافرت فى مواهبه، وركائب فكرى تطلح «١» إن أنضيتها فى استقراء صنائعه.

نعمته نعمة عمّت الأمم، وسبقت النعم، وكشفت الهموم ورفعت الهمم، نعمه قد سطع صباحها مستنيرا، وطنب شعاعها مستطيرا، قد عرفتنى نعمه حتى استنفدت شكر لسانى ويدى وأتعبت ظهرى، وملأت صدرى. نعمه عندى مشرقة الجوّ، مغرقة النوء، مونقة الضوء. تتابعت نعمه تتابع القطر على القفر، وترادفت مننه ترادف الغنى إلى ذوى الفقر. نعمه أشرقت بها أرضى، ومطر بها روضى، وورى لها زندى، وعلامعها جدّى، وأتانى الزمان يعتذر من إساءته، وجاءنى الدهر ينتظر أمرى.

نعمه أنعمت البال، وسرّت النفس والحال. نعم تعمّ عموم المطر، وتزيد عليه بإفراد النفع عن الضرر. نعم تضعف الخواطر عن التماسها، وتصغر القرائح عن اقتراحها. له أياد قد عمّت الآفاق، ووسمت الأعناق، وأياد قد حبست عليك الشكر، واستعبدت لك الحر. منن توالت توالى القطر، واتسعت سعة البرّ والبحر، وأثقلت كاهل الحرّ. عندى قلادة منتظمة من مننه قد جعلتها وقفا على نحور الأيام، وجلوتها على أبصار الأنام. أياد يقصر عن حقوقها جهد القول، وتزهر فيها سواطع الإنعام والطّول. أياديه أطواق فى أجياد الأحرار، وأفلاك تدور على ذوى الأخطار. له منن تضعف عن تحملها عواتق الأطواد، ويتضاعف حملها على السّبع الشداد، لو تحمل الثّقلان ثقل هذا الامتنان لأثقل كواهلهم وأضعف عواتقهم. أياد يفرض لها الشكر ويحتم، ومنن يبتدأ بها الذكر ويختم. أياد تثقل الكاهل، ومنن تتعب الأنامل.

منن تضعف منن الشكر «٢» ، وينشر معها قوى النّشر، منن هى أحسن أثرا من الغيث فى أزاهير الربيع، وأحلى موقعا من الأمن عند الخائف المروع. إن أتعبت نفسى فى

<<  <  ج: ص:  >  >>