للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمراض تلوّنت علىّ، وأساءت بى وإلىّ، فأنا أشكر الله تعالى إذ جعلها عظة وتذكيرا، ولم يبق منها الآن إلا يسيرا، أحسب أن الأمراض قد أقسمت على أن تجعل أعضائى مراتعها، [وآلت على أن تصيّر جوارحى مرابعها] .

علل لا يصدر منها [آت إلا لتكدير ورد] ولا يعزل منها وال إلا بولىّ عهد.

قد كرّت تلك العلة فعادت عللا، [وسقتنى بعد نهل عللا] «١» . علل برته برى الأخلّة، ونقصته نقص الأهلّة، وتركته حرضا، وأوسعته مرضا، وغادرته والخيال أكثف منه جثّة، والطيف أوفر منه قوّة. عرض له من المرض ما صار معه القنوط يغاديه ويراوحه، واليأس يخاطبه ويصافحه.

قد ورد من سوء الظن أو خم المناهل، وبات من حسن الرجاء على مراحل.

طالعت الكرم يترجّح نجمه بين الإضاءة والأفول، وتمثل شمسه بين الإشراق والغروب. أصبح فلان لا يقلّ رأسه «٢» ، ولا يحور ظله، ويد المنية تقرع بابه.

ما هو للعلة إلا عرض، ولسهام المنية إلا غرض. شاهدت نفسى وهى تخرج، ولقيت روحى وهى تعرج، وعرفت كيف تكون السّكرة، وكيف تقع الغمرة، وكيف طعم البعد والفراق، وكيف تلتفّ الساق بالساق. مرض لحقتنى روعته، وملكتنى لوعته. وجدت فى نفسى ألما أوحشه آنسه وآنسه أوحشه.

بلغنى من شكايته ما أوحش جناب الأنس، وأرانى الظلّمة فى مطلع الشمس.

قد بلغنى ما عرض لك من المرض، وألمّ بك من الألم؛ فتحامل على سوداء صدرى، وأقذى سواد طرفى، وفد استنفد القلق لعلّتك ما أعدّه الصبر من ذخيرة، وأضعف ما قوّاه العزم من بصيرة. قلبى يتقلّب على حدّ السيف إلى أن أعرف انكشاف العارض وزياله، وأتحقّق انحساره وانتقاله. أنهى إلى من الخبر العارض، حسم الله مادّته، وقصّر مدّته، ما أرانى الأفق مظلما، والعيش مبهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>